ونعود لنبدأ من الصفر لا حاضر ولا ماضى!!

فى بلادنا، خصيصا، اعتاد المُحْدَثون، قبل أن يبدأوا، هدم ما فعله الأسبقون، سنةٌ لهم استنوها ولم يفرضها عليهم من أحد، فلا أحد يبنى على بناء سابقه، فيعلو به، ويكبر البناء، ويأتى مِن خلفه مَن يستكمل، ويأتى مَن يزيد، فيعلو ويعلو حتى نصل إلى السماء! ولكن ما بأيدينا فهذه سنتنا الغراء فى كل شئ، لا نبدأ حتى نقوض! حتى فى رصف الطرقات، لا تلبث أن تتم وتتم حقبة حتى يخلفها من يخلف فيجعل عاليها سافلها ليبدأ من جديد، وكأنما لا طريق أخرى للإتمام أو الإصلاح أو الزيادة إلا بالنقصان ولا بناء الا على الأنقاض! والأسباب دائما غير خالصة لوجه الله تعالى ولا للوطن وإنما دوافعها كلها أما شخصية أو طائفية أو غيرة عمياء .

منذ نشأتنا الأولى فى مدارس المحروسة، ودَأْبُنا أن دراسة تاريخنا الحديث، الذى عاصرنا والذى كتب جميعه بعد ثورة يوليو، يذهب المذهب الأعظم لإدانة حقبة الأسرة العلوية وتداعياتها رغم ما فيها من إنجازات والتى بالطبع هانت لهم، فقد كانت لابد أن تكون فى فترة حكم استقرت للأسرة ما بين (1805 - 1952) أى ما يقرب من مئة وخمسين عاما بدأوها بالتحالف مع الفرنسيين والزعامات الشعبية الدينية إرضاء للشعب (والتى تنكروا لها فيما بعد، بعد أن فرغوا منها وقد كانت هى التى اتت بمحمد على ودعمته مرتين لدى الباب العالى مرة حين طالبوا بعزل خورشيد باشا والإتيان بالضابط الألبانى الأصل المقدونى المولد وتارة ثانية لتضمن نفقاته لدى السلطان العثمانى نفسه) وبالقضاء على حكم المماليك المدعومين من الإنجليز الذين هيأوا له فى المستقبل انفتاحا لا إراديا على الحضارات الغربية بفعل الاستعمار والحرب. افتقر تأريخ هذه الحقبة فى الفترة الناصرية للموضوعية حيث أهمل ذكر المظاهر الإيجابية المضيئة للحياة النيابية الوليدة والمحاسبة التى طالت السراية والوزارة والوزراء شخصيا واغفل الكثير من المواقف والضغوط التى حققتها الأحزاب السياسية التى كانت أحزابا حقيقية لها تمثيلها فى الشارع منذ تأسيس الوفد. كل هذا طُمِس فى غير موضوعية خوفا من ضياع بريق ثورة يوليو وزعاماتها الشعبية! لو أن الثورة اكتفت بالإصلاح الاجتماعى والدستورى بما يضمن الحقوق، بما يشبه الماجنا كارتا الذى سبقت له انجلترا قبل سبعة قرون فسبقت العالم على أن يشمل عامة الشعب وليس النبلاء وحسب، سواء بتغيير نظام الحكم أو ربما حتى بالإبقاء عليه واستكملت البناء على الحياة النيابية لكان خيرا كبيرا لمصر ولكنا الآن فى مصاف الدول الديموقراطية، أعقبت الحقبة الناصرية الحقبة الساداتية وتعالى النقد للحقبة الناصرية ولم يفرق النقاد بين الجيد والردىء، واستثنوا من ذلك الصعيد العسكرى، فقمنا وجِبْنا عاليها سافلها للمرة الثانية وعدنا فى كل قرار كان من شأنه تحصين المجتمع وحمايته لو لم يطاله الهدم، حتى التصالح مع قوى الظلام الإرهابية المتطرفة قد كان والتى مالبثت أن قضت على القائد المظفر نفسه بعد أن أخرجها إلى النور! وما فتئنا نسب ناصرا حتى اليوم رغم طهارته ورغم اهدافه النبيلة، وكأننا لم نكن نعى تكاتف القوى الخارجية عليه لإفشال التجربة! ضاعت المبادئ مع النتائج دون جدوى ودون درس.

جاءت الحقبة المباركية لتصالح الماضى الملكى وتجمله لحاجة فى نفس يعقوب، فانقلب على كل مبادئ الثورة التى بالطبع لم يكن أبدا جزءا منها ولم ينس أن يبقى على ما اسس له السادات من طبقة رأس المال التى توحشت والإنفتاح الذى تفشى واتْبَعَ ذلك بالخصخصة التى بها تم استكمال مشروع السلب والنهب مُبَررا بكراهة ناصر وعصره وانقلابا عليه وعلى حقبته وحبا فى الحياة الملكية وكأن جنة مصر فى عهدها كانت لفقرائها كما أغنيائها وكما هانت اليوم لطبقة رجال المال والأعمال تراها وقحة صريحة فى قصورهم ومنتجعاتهم ويخوتهم وسياراتهم الفارهة وكأن مصر لهم جنة الله فى ارضه تماما كما كانت القاهرة فى عصر الملكية بقصورها وجنانها جنة الله فى أرضه ولكن للأغنياء دون الفقراء الذين ملأوا القرى والنجوع غير الآدمية فى عهد الملكية الظالمة التى كان حلم أحدهم ارتداء لحذاء! هل ترى لهم من باقية! كلا فقد غفل عنهم التاريخ ولم يصورهم وسط الجنان فى أحياء الملوك والأمراء والباشاوات! لأن هؤلاء الفقراء لم ولن يكتبوا التاريخ لم ولن يذكرهم أحد وبعد عقد من الزمان رهانى لكم اننا سنتداول صور منتجعاتنا فى مصر اللآن وكأن مصر التى نعيشها كانت تحفة الزمان فى كل مكان ولن يبق للعشوائيات والميكروباسات من أثر فى مدونات التاريخ إلا ما سيُكْتَب عن ثورة شعب وكيف استغل الغرب غضبه على سوء حاله وأججه على النبلاء واوقع بينه وبين حكامة العداوة والبغضاء بعد أن دس بينهم العملاء أما فى حقبة الإخوان الخوان والتى بفضل الله والشعب لم تدم سيذكر التاريخ أنهم حاولوا جاهدين تشويه كل من سبقوهم دون استثناء وبذلوا الغالى والنفيس كى يوقعوا بين هذا الشعب وجيشه ولأول مرة فى التاريخ بعد القضاء على جيوش المماليك المرتزقة وتكويين الجيش الوطنى المصرى تبعث كلمة "عسكر" ينعتون بها خير أجناد الأرض ولأول مرة لم يصبح عداؤنا مع إسرائيل واصبحنا نبحث عن مخرج لهذه الأزمة التاريخية وأصبح عداؤنا مع أشياع على بن أبى طالب! ولأن التاريخ يصنع ولا يكتب ولأن هذا زمن الصراع السنى الشيعى ولأن هذا زمن بخث الوطنية والبطولات تنبعث مخطوطات قديمة باليه من أعداء الوطنية تبحث من دور الظافر صلاح الدين الأيوبى الذى بوسع من يقرأ ما دون عنه الغرب من تاريخ قائدا عربيا يحترمونه لأدرك رفعة هذه القامة وقدرها وما حقق من نصر ووحدة صف فى ظل ضعف الخليفة العباسى وتقاعسه عن الحرب لاستكمال تحرير فلسطين متعللا أن القائد الذى جمع تحت إمرته مصر والشام والحجاز خائن يتحالف مع الأعداء هكذا فى جرة قلم شوهنا تاريخ الناصر صلاح الدين بإدعاء خليفة لا نكاد نذكر اسمه فلا نرى للقائد المظفر إلا أنه هدم التاريخ أحرق دار الحكمة بمخطوطاتها الفاطمية وأخذ حجارة الأهرامات يبنى بها قلعتة ليحتمى خلف جدرانها! لا أرى إلا أن هذا كلام خليفة ضعيف أراد أن يعلق فشله على القائد المظفر أو كلام الفاطميين المتشيعين الذين قامت الدولة الأيوبية على انقاض دولتهم المتهالكة وما هذا الا ثأرٌ بائتٌ بين الطوائف نعود وتجتره الأيام لضرب عصفورين منا بحجر واحد قتل الروح الوطنية وحرق الرموز وتحقيقا لمآرب الفتنة التاريخية . لندع التاريخ يحكم بموضوعية ويقول مثلاً على مبارك أنه كان من أبطال حرب أكتوبر وأن فى عهده عادت طابا لأحضان المصريين وبذلك تحرر آخر شبر من أراضى مصر وأن عصره انقسم إلى قسمين أولهما صالح وآخرهما كما عرفنا وكان من الشعب ما كان .

لكل عصر ولكل قائد ولكل شخصية تاريخية مالها وما عليها ولا نزال مختلفين ولكن علينا أن نسجل الحقائق كما هى دون تحريف أو إخفاء، لم نر الفرنسيين أبداً يلعنون نابليون لأنه هزم فى نهاية المطاف بل يدرسون خططه الحربية فى كلياتهم حتى يومنا هذا كعبقرية لن تتكرر ولا يزال نابليون فى فرنسا رمز العزة والكرامة الذى يدافعون عنه والذى اصروا على نقل جثمانه بعد وفاته بأكثر من عشرين عاما ليدفن فى مقابر العظماء فى بلادهم لم تنسَ فرنسا أن تسجل أن نابليون هو واضع القانون المدنى الفرنسى وأطلقت عليه اسم "قانون نابليون" ولا زالت تعتبره تاريخيا قائداً لثورتها التى بلا قائد رغم إدانته بأن على يديه عادت الإمبراطورية بأعتى مما كانت عليه الملكية التى ثارت عليها وقائد الثورة الذى من المفارقات كان حكمه واقعياً بداية نهايتها ولكن كل هذا لم يجعل الفرنسيين ينكرون نابليون ولم يكفوا عن إكباره واعتباره القائد العظيم فى التاريخ الفرنسى.

لا أعرف شعوبا تحرق تاريخها وحاضرها كما نفعل ونبدأ فى كل مرة من الصفر لا قاعدة للبناء فلا ماضى نبنى عليه، ولا خطة نضع ولا مبدأ نتبع وهكذا نكون شوهنا الحاضر والماضى معا وهكذا نظل شعوبا مزعزعى العقيدة سقيمى الوجدان . • أستاذ بطب قصر العينى.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;