مع انطلاق امتحانات نصف العام للصف الأول الثانوى بنظام الكتاب المفتوح، شهدنا كالعادة كثيرا من الجدل والفتاوى على مواقع التواصل الاجتماعى، ونشرت الصفحات إياها نماذج للامتحان بعد انعقاد اللجان مثلما كان يجرى مع امتحانات الثانوية العامة فى السابق، وأصبحنا بقدرة قادر أمام موجة جديدة من تسريب الأسئلة والامتحانات وما يترتب عليها طبعا من انتقادات لوزارة التعليم وللنهج الجديد فى التدريس وطريقة وضع الأسئلة وقدرة الطالب على الاستيعاب، وما يسمى بمستوى الطالب المتوسط المفترض أن تأتى الامتحانات على قدر مستواه ومعدلات ذكائه!
استمرت تلك الموجة الحمقاء أياما ثم هدأت لمجموعة من الأسباب المنطقية والشروح التى أعادت وزارة التعليم الإشارة إليها، أولها أن هذا الامتحان بالكامل بدون تقييم أو بدون درجات، وإنما ينعقد لتدريب الطالب على النهج الجديد فى التحصيل والحل وهو النهج الذى يعتمد على الفهم والاستيعاب بأى صورة كانت ومن أى مورد معرفى متاح، بدلا من أسلوب الحفظ والتلقين الذى أفسد العملية التعليمية ووضعها فى أيدى مجموعة من الكهنة المزيفين، وهم مافيا الدروس الخصوصية وعصابات الكتب الخارجية والملخصات.
ثانيا، المتحدثون عن التسريب تجاهلوا أن الامتحانات بنظام الكتاب المفتوح أصلا، أى أن الطالب يمكن أن يفتح الكتاب فى اللجنة ويبحث عن نص المعلومة حرفيا، لكن واضعى الامتحان لا يطلبون فى أسئلتهم نص المعلومة وإنما يقيسون من خلال برامج محددة فى بنك الأسئلة مدى فهم الطالب لهذه المعلومة الموجودة بين يديه.
وإذا استطاع طلاب الصف الأول الثانوى التواءم مع طريقة الأسئلة الجديدة والمنهج الذى تقوم عليه الامتحانات ولو بنسبة 50 بالمائة مع أول امتحان، فهو نجاح كبير على مستوى نقل الطلاب من خانة التعليم بالحفظ والتلقين إلى التعلم بالفهم والابتكار، وهو الرسالة الأساسية لبرنامج الإصلاح التعليمى الجديد، فعندما يتوصل الطالب إلى المعلومة بالطريقة التى تخصه ومن خلال المواد المتاحة له على بنك المعرفة المصرى، فإننا نكون قد قطعنا نصف الطريق إلى بناء جيل جديد يتبنى البحث بدلا من الصم والإبداع بدلا من ترديد المعلومات ونسيانها بعد الامتحان.
ليس مهما إذن أن تخرج بعض الصفحات أو الجروبات على مواقع التواصل الاجتماعى لتندب وتلطم لتسريب امتحانات أولى ثانوى، لأن النظام فى المستقبل القريب لن يدخل فيه عنصر بشرى، بل سيتم إرسال الامتحانات إلى الطلاب من خلال التابلت وهى امتحانات مختلفة من طالب إلى آخر وتعمل على قياس مستوى استيعاب الطالب وقدرته الإبداعية وفهمه لا غير.
وليس مهما أن تسعى مافيا الكتب الخارجية إلى محاولة وضع إجابات نموذجية لما تفترض أنه النموذج الأوحد للامتحان، فى محاولة يائسة منها لإبقاء سيطرتها على عقول الطلاب والمدرسين وأموال أولياء الأمور الذين نشأوا على أن الخلاص فى الكتب الخارجية وملازمها، لأنها تلخص المعلومات وتقدم الإجابات النموذجية عن أسئلة الامتحانات السابقة على مستوى الجمهورية، لكن المفاجأة أن نسبة كبيرة من الطلاب بدأت تبحث عن المعلومة خارج تراك الكتب الخارجية والمفاجأة الأكبر أن مافيا الكتب الخارجية لن تستطيع ملاحقة مئات الآلاف من نماذج الامتحانات التى يصممها بنك المعرفة لوضع إجابات نموذجية لكل طالب على حدة.
من الآخر، المنهج الجديد سيزيح كل الأمراض الضاراة والعادات البالية فى التعليم جانبا، وسيكتشف الطلاب خلال فترة وجيزة أن عليهم الاعتماد على عقولهم فقط، بعد أن عملت مافيا الدروس الخصوصية على أن تظل خاملة غير نشطة، وفور أن تستعيد عقول الطلاب جزءا من نشاطها ستنطلق إلى آفاق جديدة بعيدة كل البعد عن مافيا الدروس الخصوصية والمدرسين المتخصصين فى تيئيس الطلاب والكتب الخارجية التى ستصبح من الماضى.