أهم شائعات الأسبوع الماضى التى راجت وتضخمت وانتشرت: السعودية تطلب رسميًا تسليم المستشار أحمد الزند.. وزارة التعليم تفرض ضرائب على مصروفات المدارس الدولية.. مصر تصوّت فى مجلس الأمن ضد معاقبة الجنود المتورطين فى جرائم جنسية.. إسرائيل تتجسس على المصريين بعد شرائها شركة أورنج.. جيهان فاضل تدعو لمظاهرات ضد الرئيس السيسى بعد اختطاف الأمن لزوجها.. التحقيق مع أبوتريكة فى تمويل الإخوان.. غضب شعبى بعد ضم مؤسسة دكتور مجدى يعقوب لجامعة أسوان، وغيرها أخبار تتعلق بالإرهاب فى سيناء، وسعر الدولار، وارتفاع أسعار اللحوم والأسماك والدواجن والخضروات استعدادًا لرمضان، أما «ريجينى» وما أدراك ما «ريجينى»، فقط لعبت أصابع محلية قذرة فى إضرام فتنة كبيرة، ألحقت بالبلاد أضرارًا بالغة، ليس بسبب البيان الأحمق للاتحاد الأوروبى فقط، إنما أيضًا بتشويه سمعة البلاد، وإضافة أزمة جديدة لأزمات السياحة الكثيرة، ولم تنقشع آثار الضرر حتى بعد اكتشاف الجناة الحقيقيين، وأصبحنا نعيش طول الـ24 ساعة تحت «دش» المواقع الإلكترونية والفيس بوك والسوشيال ميديا، وتُضخ كل يوم شائعات و«شير» بالملايين، وما أكثر «أبوالعريف» فى بلدنا الذين يضيفون عليها من عندياتهم مزيدًا من التوابل والشطة، لفتح شهية المتنزهين بين المواقع.
الحقيقة.. السعودية ليست لها علاقة بموضوع «الزند»، بل مواطن مصرى مقيم هناك تقدم بمذكرة لنيابة الطائف، يطلب وضع «الزند» على قوائم ترقب الوصول، تمامًا مثل سيل البلاغات التى يحركها محامو الشهرة والتوك شو.. والدكتور مجدى يعقوب هو الذى طلب ضم المركز العلمى لجامعة أسوان، وليس المؤسسة الطبية العظيمة.. والأمن لم يختطف زوج جيهان فاضل لأنه متوفى.. ومصر لم تصوّت فى مجلس الأمن ضد معاقبة المتحرشين جنسيًا.. والأمر نفسه ينطبق على أبوتريكة، وشائعات جفاف النيل، والدولار، والأسعار، والأكثر أسفًا أن كثيرًا من الناس يصدقون ويروجون تحت مظلة الصمت الحكومى الذى يتجاهل تصحيح الأكاذيب، وإذاعة الحقائق أيًا كانت.
جزء من المشكلة هو الأيدى المرتعشة والألسنة المرتجفة لكثير من الوزراء وكبار المسؤولين، واعتمادهم على موظفين فى العلاقات العامة لمواجهة مثل هذه المهام الخطيرة أكثر خوفًا وارتجافًا وارتعاشًا، ويرون أن مهمتهم تكون فى السليم إذا أسرفوا فى تلميع الباشا الوزير، ويبادرون أحيانًا بالرد والتكذيب، دون أن يعرفوا أو أن تكون لديهم معلومات، أو يعلمون ويريدون أن يزينوا الأكاذيب، ونفس الشىء يفعله الوزراء وكبار المسؤولين، فيزيدون الطين بللًا، وجزء آخر من المشكلة هو أن الفضائيات والصحف والمذيعين والمذيعات، ينهلون أحيانًا من تلك المصادر المكذوبة دون تمحيص أو تدقيق أو مراجعة.
الأيام المقبلة لا تحتمل مثل هذا العبث، فقد تضطر الحكومة مثلًا إلى اتخاذ قرارات فيها بعض الألم الاجتماعى، ولا تحتمل أن نضاعفه بألم إعلامى، وانفلات الدولار خير دليل على ذلك، فلم يحدث فى مصر فى الشهور الاخيرة أحداثا جسام، تجعل الدولار يفقد عقله ويتوحش، وتدار معركته مع الجنيه بأسلحة الشائعات والأكاذيب، ومزاعم هجرة رجال الأعمال وغلق المصانع، والمستفيد هو مكاتب الصرافة التى تجنى عشرات الملايين كل ساعة، ووراءهم لوبى الجماعة الإرهابية الذين يحلمون بالعودة على الانقاض والخراب، ويستخدمون ميليشيات إعلامية لا تتورع فى ترويج أقذر الشائعات، ما دامت تؤدى إلى الهدف.
والحل؟.. لا يفل الحديد الا الحديد، ولا تُجهض الشائعات إلا بالحقائق، ولا تعيش البكتيريا الضارة إلا فى أجواء رثة، وانتهى عصر الإعلام الشمولى ونموذج الاتحاد الاشتراكى.. الموضوع شرحه يطول، لكنه ببساطة يتطلب اليقظة والثقة بالنفس، وأن تلملم الدولة بقايا إعلامها الذى يبحث عن هوية، وتضخ فيه روح الإعلام المحايد الذى يتمسك بالثوابت الوطنية، ويصد موجات الهجوم فى الداخل والخارج، ليس دفاعًا عن رئيس أو وزير أو حزب أو نظام، إنما عن وطن ينهض بعد سنوات المعاناة.