حكمة اليوم: «اللى هيغلط هنعلمه الصح.. واللى هيسرق هنقطع إيده»، نطق بها وزير النقل كامل الوزير فى جمع من قيادات السكك الحديدية فى الإسكندرية، تعقيبًا على إقالته لنائب رئيس الهيئة بمخالفات مالية.
الوزير كامل يهدد فى محاولة جدية للجم الفساد المستشرى فى هذا القطاع الحيوى، وقبل التهديد ذبح لهم القطة جميعًا، أقال نائب رئيس الهيئة بلا تردد، خلاصته لا مكان لمقصر فى مرفق ينقل أرواحًا، ومن يمد يده على المال العام ستقطع بسيف القانون.
حكمة الوزير كامل يستوجب تعميمها على كل قطاعات الدولاب الحكومى، الأيادى ممدودة للحرام، والفساد مستشرٍ، واستحلال الوظائف للكسب الحرام بات طقسا، ما فى خدمة حكومية تقدم لوجه الله، الفساد للركب كما يقولون، فساد كبير على قاعدة من الفساد الصغير، جذر الشجرة ضربته سوسة الفساد.
الفساد فى السكك الحديدية، الذى يواجهه كامل الوزير ليس استثناء، نموذج للفساد فى مختلف المصالح والخدمات الحكومية، وتتبع تقارير الرقابة الإدارية الشهرية يشى بالكثير من النماذج الممعنة فى الفساد، الموغلة فى الحرام، البعض يتخذ من وظيفته سبوبة لجمع المال الحرام.
المال السايب يعلم السرقة، والمال العام ظل طويلا يعلم السرقة، حتى انتفض جهاز الرقابة الإدارية، ولكن الفساد من الانتشار بحيث ضرب جسد الجهاز الحكومة كالسرطان فى انتشاره.. تهديد كامل الوزير ربما يردع البعض، ولكن لجم الفساد يحتاج إلى حملة قومية على الفساد، حملة يشارك فيها الشعب عن قناعة بخطورة الفساد.
للأسف البعض تعود على الفساد، ويخلص مصالحه بالفساد، ويعين الفاسدين على فسادهم، وباتت الرشوة والوساطة والمحسوبية عنوانا للخدمات والتراخيص وكل ما يمت للحكومة بصلة، وتشكلت حول المصالح الحكومية لوبيات فاسدة تتاجر فى الفساد، وتصل بين الفاسد والجمهور، طبقة فاسدة تعمل بين الطبقات الفاسدة، فصار الفساد مركبا.
والأخطر أن هناك تراضيا على الفساد كما هناك تراض على العلاقات الآثمة، تراض بلغ اغتيال الحقوق والنهب المنظم، ومنها نهب حق الدولة الذى هو حق الشعب فى كثير من رسوم الخدمات والتراخيص، لدرجة أن هناك لجنة تحمل اسم «حق الشعب»، برئاسة المهندس شريف إسماعيل تكافح فى استرداد حق الشعب من مجموعة من السماسرة والعقاريين ورجال الأعمال النهابين، وتصل الليل بالنهار بحثا عن حق الشعب المهدور فى سنوات النهب المنظم، التى كلفتنا ما لا طاقة لنا به، واستحلت المليارات من دم الشعب.
حكمة الوزير كامل ترسم طريقا واضحا، «اللى هيسرق هنقطع إيده»، طريقا سريعا لكسر حلقة الفساد المضروبة من حول عنق الشعب، معدشى فيها كسوف، ولا تسويف ولا طبطبة ولا دلع، آخرة التراخى دماء على السكك الحديدية، آخرة التغاضى فساد بلغ الزبى، آخرة التقاعس خراب.
قطع يد واحدة تنقذ أرواحًا، فصل موظف فاسد يرعش آخرين مصابين بفيروس الفساد، العين الحمراء مطلوبة من كل مسؤول بقدر مسؤوليته، حاجة تجن الجن وتعفرت العفريت، كيف يستقيم وجود نائب رئيس هيئة فاسد، والبعض يترحم عليه، ويقولك حرام، «إذا كان ربُ البيتِ بالدفِ ضاربا.. فشيمـةٌ أهلِ البيتِ الرقصُ»، وبالمثل إذا كان رب البيت فاسدا، فشيمة أهل البيت الفساد.
صدق من قال السمكة تفسد من رأسها، والفاسد لا يفسد وحده، بل يعمد إلى إفساد من تحت سيطرته، حتى يصبح الفساد طقسا، فإذا بات طقسا ساد، وإذا ساد الفساد صار كارثة محدقة، رأينا فصلا منها فى محطة مصر.. اللى هيمد إيده للمال العام هنقطعها.. شعار مرفوع فى السكك الحديدية.. يسلم فمك يا كامل.