واحدة من أسوأ الحوادث الإرهابية التى مرت على المجتمع الدولى، حيث توجه شاب أسترالى مسلح فى ريعان شبابه إلى مسجد فى مدينة هادئة تماما وأطلق النار على المصليين أُثناء صلاة الجمعة، ثم توجه إلى مسجد آخر وأطلق النار لتقترب حصيلة القتلى فى المسجدين لنحو الخمسين مصلى.
ليس هناك الكثير من التفاصيل والأفكار المسبقة التى يمكن أن يسوقها الإعلام، كما هو الحال مع جرائم الإرهاب التى يرتكبها جهاديون فى أوروبا، فحكاية حادث نيوزيلاندا، تعج بالكثير من المفاجآت، بداية من أن المجرم نشر رسالة يحض فيه على كراهية المهاجرين المسلمين تحديدا، وأنه تعمد تصوير عملية القتل لتبث بطريقة مباشرة على مدار خمس عشرة دقيقة، وأخيرا أنه نقش على سلاح الجريمة تواريخ معارك من القرون الوسطى.
القضية هى قتل على الهوية واضح لا لبس فيه.
لا ينتمى القاتل للدين الذى تحاول وسائل الإعلام الغربى شيطنته، ولا يعانى القاتل من الفقر والعوز، بل كان مجرد شاب عادى ينتمى لأسرة متوسطة، توافرت له كل حظوظ الحياة الطيبة. إلا أن التطرف والدعايات السوداء نالت من عقله وقلبه وأثارت كراهيته ضد الإسلام والمسلمين بوجه عام.
وهذه الجريمة لطمة على وجه المجتمع الدولى الذى طالما تغاضى عن ممارسات داعمى ومروجى الأفكار المتطرفة والإرهاب، بهدف الاستفادة وإثارة البلبلة فى دول مستهدفة ومطلوب ألا تقم لها قائمة. بل وتخويف المجتمعات الغربية وتبرير استمرار تخريب دول العالم الثالث وعلى رأسها دول الشرق الأوسط.
حادث نيوزيلاندا الإرهابى هو ناقوس خطر مبكر يدق فى آذاننا جميعا، وينبهنا وينبه المتلاعبين بسلاح تفتيت الدول وإثارة النعرات الدينية والقبلية والطائفية، أن استمرار هذه اللعبة يعنى أن تنتشر النيران فى كل أنحاء الدنيا، ولن ينجو منها أحد.
لا ألتمس العذر ولا أحاول التبرير لهذه الجريمة البشعة، لكنى أقول أن دائرة العنف والعنف المضاد لابد أن تنكسر، لابد أن تتوقف دعايات الحض على كراهية الآخر واحتقاره، تلك الدعايات السوداء التى تستتبعها دعايات مضادة فاشية وتحض على الرد بالمثل.
لكن الحقيقة التى يجب أن تواجه نفسها بها هذه المجتمعات الغربية هى أنها على مشارف أن تذوق وبال الإرهاب، وتكتوى بناره، وأن المخرج الوحيد، هو محاصرة خطاب الكراهية، ودعاته، من ساسة متطرفين سارع بعضهم إلى استثمار الحادث ومحاولة حشد تعاطف مع خطاب المجرم الإرهابى، أو أولئك الذين يتعاونون ويؤون عناصر الجماعات الإرهابية الفارة إلى أوروبا، يوفرون لهم الدعم بهدف استخدامهم فيما بعد، ظنا منهم أن نشاط هؤلاء الإرهابيون سيقتصر على دول الشرق الأوسط.
إن الكلمات المعهودة هى الحقيقة، الإرهاب لا دين له، لا وطن له، الإنسانية تدفع ثمن الأهواء والمطامع السياسية.