هل يغير الغرب عقيدته فى مكافحة الإرهاب؟.. الحصيلة شبه النهائية لاعتداءات بروكسل وصلت إلى 35 قتيلاً من جنسيات مختلفة، تشمل بلجيكا والولايات المتحدة وهولندا والسويد والمانيا وفرنسا والصين وإيطاليا وبريطانيا، فضلاً على 340 جريحا بلجيكيا ومن 19 جنسية أخرى، بخلاف الانتحاريين الثلاثة الذين نفذوا الاعتدءات وتم التعرف على جثثهم.
وقبلها بشهرين تقريبا أسفرت تفجيرات باريس الإرهابية عن مقتل 130 وجرح المئات، وما بين باريس وبروكسل نشطت الأجهزة الأمنية الأوروبية للكشف عن الشبكات الإرهابية التى تحاول استهداف الأوروبيين، وتم القبض على عشرات المشتبه بهم، كما حاولت دول الاتحاد الأوروبى تغيير إجراءاتها وتدابيرها الأمنية لمنع تسلل الإرهابيين إلى أراضيها، سواء ضمن موجات الهجرة غير الشرعية، أو تقييد انتقال الشخصيات المشتبه بهم عبر الحدود الأوروبية، لكن كل هذه الإجراءات لم تأت بنتيجة إيجابية، لأنها لم تصل إلى أساس أو صلب المشكلة.
أوروبا ركزت على الحلول الأمنية، وكررت خطـأ دول الشرق الأوسط حينما تجاهلت مسببات الإرهاب وركزت على التعامل الأمنى فقط، دون أن يتغير الموقف، فالإرهاب مازال يضرب أوروبا، كما يضرب الشرق الأوسط، ولم تفلح هذه الحلول، بل إنها كانت سبباً فى انتقادات كثيرة وجهت مؤخراً على سبيل المثال للحكومة البلجيكية بسبب تقاعس كادرها الأمنى وإهداره لفرصة ثمينة لتجنب هجمات بروكسل الدامية، خصوصاً بعد اعتقال المشتبه به الرئيسى صلاح عبدالسلام فى هجمات باريس قبل أيام قليلة من اعتداءات بروكسل، فقد أكد مراقبون أن استجواب عبدالسلام بالشكل السليم كان سيوفر معلومات استخباراتية كافية، ربما تقود إلى رفاقه، ولتمكنت بلجيكا من الحيلولة دون وقوع الهجمات.
وإذا تحدثنا عن الحلول الأمنية أيضاً لاكتشفنا أن تفجيرات مطار بروكسل الانتحارية وقطارات الأنفاق أظهرت عجز السلطات البلجيكية عن التصدى للتنظيمات الإرهابية مثل داعش، أياً كان ارتفاع مستوى حالة التأهب لدى النظام الأمنى البلجيكى، الذى يبدو كما قالت وكالة الأنباء الفرنسية فى تقرير لها الاثنين الماضى، إنه يعانى نقصاً حاداً فى العمالة التى يبلغ عددها 700 شخص يفتقرون للإمكانيات الضرورية لأداء مهامهم فى دولة يبلغ تعداد سكانها 11 مليوناً، كما تقل إمكانات جهاز الشرطة بنسبة 20% عن مستوى الكفاءة الكاملة، فضلاً عن افتقار النظام الأمنى للاتصالات والتنسيق فى مختلف البلديات بسبب خط التقسيم اللغوى الذى تتميز به بلجيكا بين اللغتين الفرنسية والهولندية.
وعودة للحلول الأخرى المقترحة بخلاف التعامل الأمنى، فلا يخفى على أحد أن استمرار نقض التنمية فى دول الجنوب، وأقصد بها غالبية دول الشرق الأوسط، فضلاً على استمرار التوتر واللاستقرار فى ليبيا وسوريا واليمن، كلها عوامل خلقت بيئة مناسبة لجماعات تعتنق التطرف والإرهاب فكراً ومنهجاً لها، يضاف بالطبع إلى القضية الأساسية التى زرعت الفكر المتطرف فى عقول الكثيرين، وهى قضية الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية دون أن يحاول الغرب والقوى الكبرى إيجاد حل لها.
كل هذه أسباب أدت إلى استفحال ظاهرة الإرهاب فى أوروبا والشرق الأوسط على حد سواء، للارتباط الوثيق بين المنطقتين، سواء الارتباط السياسى أو الجغرافى أيضاً، وتحديداً بين الدول المطلة على البحر المتوسط فى جانبيه الشمالى الأوروبى والجنوبى العربى، ولا يمكن تجاوزها بأى حال من الأحوال، لأننا سنكون فى وضع سيزداد سوءًا يوماً بعد الآخر.
ويضاف إلى هذه الأسباب سبب آخر ربما يكون أكثرهم أهمية، وهو تقاعس دول أوروبا عن وضع تعريف محدد للإرهاب، وبالتالى حصر الجماعات الإرهابية ووضع آلية دولية محددة للتعامل معهم، فللأسف الشديد ترفض الدول الأوروبية التعاون مع المطالبات العربية وتحديداً المصرية فى هذا الشأن، بل إننا نرى دولاً أوروبية مثل بريطانيا وألمانيا يتفاخرون باستضافتهم أعضاء فى جماعات يروجون ويدعون للعنف فى دولهم لمجرد الاختلاف السياسى، وخير مثال على ذلك عناصر جماعة الإخوان الموجودين فى لندن وبرلين، ويتبنون كل الدعوات الداعمة للإرهاب فى مصر وبعض الدول العربية دون أى تحرك جدى من السلطات البريطانية والألمانية مع هذه العناصر.
لكل هذه الأسباب ولغيرها، أرى من المفيد أن يتعامل الأوروبيون مع هذه الأسباب بمنطق أكثر جدية من تعاملهم الحالى، وربما يكون المؤتمر الكبير لمكافحة الإرهاب، الذى أعلن وزير الخارجية الألمانى عن عقده بالعاصمة برلين فى فصل الصيف المقبل، فرصة مناسبة لفتح النقاش حول كل هذه الأسباب، خاصة بعد تأكيد برلين أن النقاش سيتركز على أساليب منع التطرف بين الشباب.