التفكير دائما ما يكون سببا فى تقدم المجتمعات، والجدل حول الأفكار أحيانا يكون عاملا مساعدا فى معرفة عيوب ومحاسن المجتمع، لكن ليس كل الجدل يكون فى صالح البناء فأحيانا يكون أثره سلبيا ولا يقدم جديدا، ومن ذلك الحديث عن تهمة ازدراء الأديان التى أصبح التعرض لها طقسا يوميا فى الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، بلا أى تجديد وبدون موقف واضح منها يعمل على منع قانونها، والشاعرة فاطمة ناعوت آخر ضحايا هذا الأمر بعد تأييد الحكم عليها بالحبس 3سنوات وغرامة 20 ألف جنيه.
والتعرض لقضية ازدراء الأديان متسع وشائك ولا يمكن الإلمام به مرة واحدة ولا فى مقالة واحدة لكن لو توقفنا عند «أنواع» الشخصيات المتعلقة بتهمة ازدراء الأديان سنجد أن هناك ثلاثة أنواع، النوع الأول هو من يخطئ «زلة لسان» ثم يسارع فيعتذر ويؤكد أنه لم يكن يقصد ما قاله وأن كلامه تم فهمه خطأ ثم يحاول أن يصحح الأمر وهذا النوع من الناس يكفيه تراجعه وتفسيره حتى ينتهى الأمر، وهناك نوع ثانٍ يبحث عن «شو» والناس يعرفون ذلك لكنهم يحققون له أهدافه باتهامه وهو يعرف كيفية الاستفادة من هذا الأمر وفى هذه الحالة يوظف هو اندفاع المجتمع لصالحه ويحقق مصالحه الشخصية، والنوع الثالث هم أصحاب الفكر الذين قرأوا واطلعوا وقارنوا بين الكتب والأفكار ثم خرجوا علينا بأشياء تختلف مع ثوابت المجتمع، لذا نلجأ لاتهامهم حماية لأنفسنا من تهمة التفكير، وعلى العموم فى الحالات الثلاثة يجب التعامل معها بعيدا عن تهمة ازدراء الأديان، فالنوع الأول المعتذر هو بالنسبة لنا كأنه لم يقل شيئا، والنوع الثانى تجاهله سيحل المشكلة تماما، أما النوع الثالث فيجب الاستماع إليه ومناقشة أدلته بالعقل والاطلاع على براهينه ومواجهته بالفكر وليس من حقنا مصادرة أقواله ومحاكمته.
ومن ضمن المشكلات الكبرى التى تتعلق بهذا الأمر أن كثيرا من متابعى هذه القضايا فى المجتمع المصرى لا يفرقون بين الأنواع الثلاثة ويضعونهم فى سلة واحدة ويتعاملون معهم بالطريقة نفسها، وهنا يكون النصيب الأكبر لصالح «أهل الشو» لكن لو تخيلنا أن هذه التهمة غير موجودة وأنها سقطت من القوانين، ولم نتوقف عند أنصاف الموهوبين الباحثين عن فرصة ليكونوا حديث الناس، ستكون نهايتهم فى هذا الأمر.
القضية عميقة وتحتاج إلى أكثر من مستوى لحلها فثقافة الاتهامات الجاهزة والمعلبة تحتاج وقفة كبرى، أما دور البرلمان فهذه مقالة أخرى قادمة.