فور وقوع التفجير الإرهابى أمام معهد الأورام بالمنيل، بدت الكثير من التفاصيل المهمة واللافتة، أهمها أن الإرهاب لا يفرق بين المصريين ولا مكانهم، والأبرياء يدفعون الثمن فى كل الأحوال، السيارة المفخخة كانت متجهة لتنفيذ عمل إرهابى، ضد مواطنين مصريين أو هدف سياحى لا فرق، فالهدف واحد والإرهاب واحد الضحايا أبرياء، مرضى فقراء وأهلهم، أو مصلون فى مسجد أو كنيسة، عابرون فى طريق أو عاملون أو سياح.
هذه العمليات الإرهابية التى يتساقط فيها الأبرياء تكشف عن عقل وقلب الإرهابى ومموليه، حيث لا يفرق بين مدنى وغير مدنى، ولا بين مسلم ومسيحى أو مريض وسليم، وهى أمور معروفة ولا تحتاج للكثير لمعرفتها، ويدركها المصريون بكافة طوائفهم، حيث لا يخلطون مثل البعض ويتحركون لإزالة آثار الإرهاب ولا يتفرغون لممارسة اللطم وادعاء الفهم.
ولأن أغلبية المصريين يدركون هذا الفرق تحركوا لمواجهة آثار العمل الإرهابى، من دون أن يجلسوا على مواقع التواصل ليحللوا ويبحثوا عن ثغرة تمنحهم التميز السوشيالى، وتجلب لهم اللايكات.
سارع مواطنون فورا لإنقاذ الضحايا والمصابين، أو نقل بعض المرضى الذين اضطرتهمخسائر المبنى للاتجاه نحو مكان آخر، وهناك من حملوا طعاما ومشروبات وملابس واتجهوا ليقدموها إلى أهالى مرضى الأورام أمام المعهد.
طبعا كل من تبرع وقدم أموالا لإعادة معهد الأورام لحالته الطبيعية يستحق الشكر، من الخارج والداخل رجال أعمال ومواطنون عاديون، هناك من تبرع بملايين، أو آلاف لكن أيضا انهالت التبرعات برسائل موبايل قصيرة قيمة الواحدة خمسة جنيهات، وتضاعفت من 2000 جنيه، إلى 250 ألف جنيه فى اليوم، حسب البيانات المعلنة من جامعة القاهرة.
مواطنون ليسوا أثرياء وربما كانوا فقراء قدم كل منهم ما يستطيع لإزالة آثار الإرهاب، هناك أيضا مواطنون تبرعوا بمئات أو حتى عشرات الجنيهات ويتساوى ما قدموه مع الملايين، ومن تبرعوا بالملايين أو الجنيهات يستحقون الشكر بنفس القيمة، لأن كل منهم قدم ما فى استطاعته، سواء أعلن عن ذلك أو اكتفى بتقديم ما فى يديه، وأيضا كل من حمل طعاما أو شرابا أو أى شىء للمرضى وذويهم داخل المعهد أو خارجه.
وفى هذا السياق كان تحرك جامعة القاهرة ورئيسها الدكتور محمد عثمان الخشت هو الآخر سريعا، تحرك رئيس الجامعة منذ اللحظة الأولى للحادث الإرهابى، واصطحب لجانا هندسية لحصر الخسائر وتحديد المطلوب، وبدأت شركة المقاولون العرب عملها فورا، خلية نحل من المهندسين والفنيين والعمال بدؤوا العمل على مدى الساعة يسابقون الزمن لإعادة العمل لمعهد الأورام بكامل طاقته، وبالفعل استقبلت أقسام المعهد مرضى الجرعات الكيماوى، ومن يتلقون العلاج بالعيادات الخارجية.
رئيس جامعة القاهرة أعلن تبرعه وأعضاء مجلس جامعة القاهرة براتب شهر لتجديد معهد الأورام، وهو تبرع له قيمته، لأن هؤلاء لا يملكون سوى رواتبهم، ودعا رئيس الجامعة أعضاء هيئة التدريس والعاملين للتبرع اختياريا، وبالفعل انهالت التبرعات، وأيضا من الطلاب، رئيس جامعة القاهرة أكد أهمية التبرع للحساب الحكومة للمعهد 777 فى كل البنوك والبريد، لأنه حساب خاضع للرقابة المسبقة واللاحقة.
استعرض أرقام التبرعات التى انهالت على المعهد، وقال إنه بعد إعادة الأوضاع لما كانت عليه ستتم زيادة القدرة الاستيعابية بنسبة 30%، لقد أعاد العمل الإرهابى معهد الأورام إلى الصورة، حيث يقدم خدماته لأكثر من 300 ألف مريض سرطان وعشرات الآلاف فى العيادات الخارجية أو الكشف، ويستحق أن يبقى على قائمة العمل الأهلى، لأن موازنته مهما بلغت تظل أقل من المطلوب، وكان العمل الإرهابى كاشفا عن إدراك من المصريين لدورهم وسعيهم لمواجهة الإرهاب وإزالة آثاره، ويفعلون ذلك قبل أن يجلسوا ليمارسوا تنظيرا لا طائل منه سوى الاستعراض والادعاء، بل إن بسطاء يتصرفون بفطرتهم يكشفون عن وعى يتفوق على بعض كبار المنظرين، ممن تشغلهم صورتهم أكثر مما يشغلهم الخطر.