وسط حشود الغاضبين وامتلاء الميادين بالمحتجين دخل مصطلح الدولة العميقة قاموس الحياة المصرية بكثير من الجدل والخرافات، فتسابق مروجو المصطلح لتفسيره، فمنهم من ذهب الى أنها دولة ما قبل 25 يناير برموزها ومؤسساتها، وذهب أكثرهم تطرفا إلى أنها تلك الدولة التى تأسست منذ ثورة 23 يوليو 1952 رغم اختلاف الأشخاص وتغير الزمان.
كما تسارعوا لتفنيده على أنه ذاك النظام القابع وراء الدولة الرسمية متسترا بالستار السحرى ليدير الشئون ويقرر المصير. وسيقت الجموع للترويج إلى أن الإصلاح يبدأ بالانتقام من هذه الدولة العميقة القمعية الفاسدة والقضاء على مؤسساتها. وقتها لم يعِ الكثيرون الغرض من جراء هذه التوجيهات، وأصبحوا مرددين للمصطلح دون حتى عناء البحث عن مفهومه أو الأهداف المرجوة من ورائه.
وبعد كشف جماعات التطرف والإرهاب وجهها القبيح وانفضاح مخططات الهدم والدول التى تقف وراءها أصبح واضحاً بأن الهدف من هذه الحملة الشعواء هو النيل من مؤسسات الدولة المصرية، والقضاء على دعائم الوطن وثوابته، وخلق دولة أكثر عمقا وفسادا وتطرفا. كما حاول المخربون فصل الشعب عن مؤسساته، وبث الفرقة فى نفوس المواطنين تجاه الدولة الوطنية. وتناسى هؤلاء بأن مكونات ما أطلقوا عليه الدولة العميقة هم أبناء الشعب المصرى ونسيجه. أوليس كل من يحيا على أرض مصر هو أحد عناصر الدولة العميقة المزعومة؟
وبالرغم من أن هذا المصطلح هو محض خرافات إلا أنه نجح المتطرفون فى زرعه داخل نفوسنا لنهدم به وطننا بأيدينا، إلا أننا أصبحنا نستخدمه لنختبئ خلفه هربا من مسئولياتنا، وندارى به مساوئنا، ونعلق عليه أخطائنا. فأصبح سوء الأخلاق وغياب القيم أصله الدولة العميقة، والفساد نتاجها، وارتفاع معدلات الجريمة من سماتها.
إن بناء الأسرة المصرية هو البداية الحقيقية للقضاء على مفهوم الدولة العميقة الفاسدة، فاذا أردنا حقيقة أن نستعيد المثل والصفات الحميدة يجب أن نبنى أجيالا تحترم الدستور والقانون، ترفض الفساد، تحيى ما فقده مجتمعنا جراء محاولات هدمه وتقسيمه. يجب أن نبنى الإنسان المصرى صحياً وتعليمياً وثقافياً واجتماعيًا ودينيًا حتى يكون جديراً بالثقة والاحترام والتقدير، وأن يكون مواكباً للنجاح الذى حققته مصر فى استعادة مكانتها السياسية العربية والدولية، وتحقيقها طفرة اقتصادية هائلة. يجب أن نسعى لبناء وتدعيم وتعزيز منظومة القيم بمزيد من الوعى والاحتواء والإرادة والتحدى لكل ما هو سلبى، وتأييداً لكل ما هو إيجابى من أجل المحافظة على هويتنا المصرية وعروبتنا الأصيلة وقوميتنا العربية.
إن الطريق لبناء الأسرة المصرية شاق وطويل، كما أن القضاء على الدولة العميقة الخرافية القابعة فى نفوسنا يتطلب جهودا حثيثة، ونحن نسعى إليها يجب أن نتذكر يا سادة بأن المدينة الفاضلة هى أيضا محض خيال يقبع فى نفوس الحالمين بعالم افتراضى لا يوجد إلا فى الدار الآخرة.