جاء إعلان الحكومة المصرية عن تعيين الحدود البحرية بين القاهرة والرياض وما نتج عنه من اعتراف الحكومة المصرية بأن جزيرتي صنافير وتيران تقعان داخل المياه الإقليمية للسعودية ليرتب التزامات قانونية على الدولة السعودية وفقًا لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
وقبل أن أدخل في صلب الموضوع، أوَدُّ أن أوضح أن المقال لا يناقش قضية ملكية الجزيرتين من الأساس، بل يبحث في النتائج المترتبة على التوقيع المصري السعودي على تعيين الحدود البحرية، مع تسجيل تحفظي على هذا الإعلان وما تبعه من نتائج تمس السيادة المصرية.
بداية بالنظر إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وملاحقها يتضح الآتي:
أولًا: نظمت المادة الخامسة من اتفاقية السلام وضع مضيق تيران وأخرجته من السيادة المصرية الكاملة واعتبرته ممرًّا مائيًّا دوليًّا مفتوحًا لكل الدول رغم وقوعه ضمن المياه الإقليمية للقاهرة، ونصَّت المادة الخامسة على الآتي: يعتبر الطرفان أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لجميع الدول دون عائق أو إيقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوي. كما يحترم الطرفان حق كل منهما في الملاحة والعبور الجوي من وإلى أراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة.
ثانيًا: لم تنص اتفاقية السلام بموادها التسعة مباشرة على وضع جزيرتي صنافير وتيران، بل أرجأت ذلك للملاحق.
ثالثًا: حسمت المادة السادسة من اتفاقية السلام مستقبل أي إجراءات جديدة يتخذها الطرفان، وهي المادة التي تعالج إعلان مصر نقل تبعية جزيرتي صنافير وتيران للسعودية.
حيث نصَّت على الآتي: يتعهد الطرفان بعدم الدخول في أي التزامات تتعارض مع هذه المعاهدة، ومع مراعاة المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة يقر الطرفان بأنه في حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأي من التزاماتهما الأخرى؛ فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة.
بالانتقال إلى الملاحق يتضح الآتي:
عالج البروتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن وضع جزيرتي صنافير وتيران؛ حيث جرى اعتبارها ضمن المنطقة "ج" على الخريطة في المادة الثانية من البرتوكول المعنية بتحديد الخطوط النهائية والمناطق.
كانت الإشارة إلى جزيرتي صنافير وتيران في الخريطة رقم واحد، وكانت الإشارة إليهما تعني التزامات على الدولة المصرية تجاه إسرائيل؛ الأمر الذي يطرح سؤالًا: كيف يترتب التزام على دولة تجاه مناطق لا تملك السيادة عليها؟
بالعودة للبروتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن والمادة الثانية فيه المعنية بتحديد الخطوط النهائية والمناطق ورد التزامات واضحة على القاهرة انتقلت بدورها للدولة السعودية إذا التزمت بالمعاهدة أو من حقها مباشرة سيادتها الكاملة على الجزيرتين على أساس أنها لم تكن طرفًا في معاهدة السلام.
ولكن بإعلان وزير خارجية السعودية التزامها بالاتفاقيات التي أبرمتها مصر بشأن الجزيرتين؛ يعني أن الرياض ستتنازل عن السيادة الكاملة على الجزيرتين رغم أنها لم تكن طرفًا فيها.
وينبغي هنا توضيح أمر مهم، وهو أن تصريح وزير الخارجية السعودي كما نقلته الصحف المصرية ورد فيه أن الجبير أعلن التزام بلاده بما ورد في اتفاق كامب ديفيد بشأن الجزيرتين، وهو أمر يتوجب تصويبه بأن كامب ديفيد لم تكن اتفاقًا، بل كانت تفاهمات، والاتفاق الذي عالج وضع الجزيرتين هو اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، وهذا أمر ينبغي التنبه له.
وبالعودة إلى الالتزامات السعودية تجاه إسرائيل من واقع التزام الرياض بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية؛ فإننا يجب أن نوضح الآتي:
أولًا: أن السعودية أصبحت طرفًا ثالثًا في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية؛ لأنها تملك أرضًا خاضعة لشروط المعاهدة.
ثانيًا: كان بوسع السعودية إحكام سيطرتها الكاملة وإعمال سيادتها على الجزيرتين باعتبارها دولة صاحبة حق -وفق الحكومة المصرية- ولم تكن طرفًا في معاهدة السلام، ولكن صمت الرياض وقت توقيع معادة السلام يعني إقرارها بما ورد فيها، كما أن محاولة الرياض للخروج من المعاهدة وممارسة السيادة يُعَد طرحًا نظريًّا بالنظر إلى طبيعة العلاقات السعودية المصرية الأمريكية الإسرائيلية فيما بعد توقع الاتفاق النووي مع إيران.
ثالثًا: تنتقل التزامات مصر الواردة في البروتوكول الخاص بترتيبات الأمن من الملحق العسكري لمعاهدة السلام من مصر للسعودية في منطقة سيادتها على جزيرتي صنافير وتيران، وهذه الالتزامات هي:
1- تتمركز في المنطقة "جـ" قوات الأمم المتحدة والشرطة المدنية المصرية فقط.
2- تتولى الشرطة المدنية المصرية المسلحة بأسلحة خفيفة أداء المهام العادية للشرطة داخل هذه المنطقة.
3- توزع قوات الأمم المتحدة داخل المنطقة "جـ" وتؤدي وظائفها المحددة في المادة السادسة من هذا الملحق.
4- تتمركز قوات الأمم المتحدة أساسًا في معسكرات تقبع داخل مناطق التمركز التالية والموضحة على الخريطة رقم (1).
نصت المادة الرابعة مع البروتوكول على الآتي: تؤدي الشرطة المدنية والمجهزة بزوارق خفيفة مسلحة تسليحًا خفيفًا وظائفَ الشرطة العادية داخل المياه الإقليمية للمنطقة "جـ".
رابعًا: نصت المادة السابعة الخاصة بنظام الاتصال من هذا البروتوكول على الآتي: يُقام مكتب اتصال مصري في مدينة العريش ومكتب اتصال إسرائيلي في مدينة بئر السبع، ويرأس كل مكتب ضابط من البلد المعني يعاونه عدد من الضباط، ويقام اتصال تليفوني مباشر بين المكتبين وكذا خطوط تليفونية مباشرة بين قيادة الأمم المتحدة وكلا المكتبين.
وبناءً على خروج جزيرتي صنافير وتيران من السيادة المصرية، يتوجَّب على السعودية بموجب التزامها بالاتفاق إقامة مكتب اتصال في الجزيرتين للتنسيق مع الطرف الإسرائيلي.
وفي الختام ينبغي توضيح أن نقل السيادة على الجزيرتين من القاهرة للرياض دون ممارسة الأخيرة حقوقها في السيادة المطلقة عليها والالتزام بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل؛ يعني بلا شك أن الرياض أصبحت طرفًا أصيلًا في اتفاق السلام مع ما يفرضه ذلك من تنسيق في المجال الأمني وتأمين الملاحة في جانبها من مضيق تيران.