إن من أهم أسباب تماسك أمتنا والحفاظ على بلادنا ومواجهة التحديات والأحداث والمحن التى تمر بها، هو وجود طائفة من العلماء الأجلاء قامت بواجبها فى بيان طرق الفلاح والنصر والنجاة من الفتن، وعملت على تحقيق التقدم لأمتنا وشعوبنا وبلادنا، من خلال ما قامت به من واجب النصح والإرشاد والتوجيه، وبث روح الأمل والتوكل على الله فى النفوس، والأخذ بأيدى الناس إلى الصراط المستقيم.
ولعل أبرز النماذج على هذه الأمور، هو الدور البارز لعلماء الدين فى معارك الأمة المصيرية وأيامها المشهودة، من هذه الأيام حرب السادس من أكتوبر وما تحقق فيها من نصر عظيم تم على يد قواتنا المسلحة الباسلة، فقد مثل هذا النصر علامة فارقة فى تاريخ مصر وتاريخ الأمة العربية والإسلامية، بما أرساه من قيم الحق وإقامة العدل ورد الحقوق، وفتح الأبواب أمام التعايش السلمى بين الشعوب، وما تم فيه من معجزات عسكرية أبهرت جميع القادة العسكريين وشهد ببراعتها الخصم نفسه.
لم يتخلف علماء الدين عن القيام بدورهم وأداء الأمانة الدينية والوطنية التى تحملوها، والمساهمة فى إعداد الأمة لخوض معركة الحق ورد العدوان وتحقيق النصر واسترداد الأرض، فبعد وقوع عدوان يونيو عام 1967م بأيام قلائل نهضت الأمة من كبوتها وهى تصر على الثأر ومحو الهزيمة، فأدرك علماء الدين فى مصر طبيعة المرحلة التى يمر بها الوطن وما تتطلبه من الالتفاف حول قيادة البلاد، والمساهمة معها فى تحمل المسؤولية تجاه هذه المعركة، ومساندة قواتنا المسلحة ومؤسسات الدولة وتقديم العون المادى والمعنوى اللازمين لعبور هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر، مع الالتفات إلى أهمية إعداد الجبهة الداخلية وتوعية الشعب بما تمر به البلاد، وما يتطلبه الإعداد للمعركة من الصبر والمثابرة ودعم الجيش ومؤسسات الدولة، بحيث يمثل الشعب ظهيرًا قويًا لقواته المسلحة فى حربها مع العدو، وقد مثلت هذه الأيام أعلى صور التكاتف والتلاحم بين الشعب وقيادته ومؤسساتنا الوطنية والأزهر الشريف.
والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، فقد كانت كتائب الدعاة والعلماء من الأزهر الشريف فى فترة الإعداد للحرب تقوم بدورها فى إعداد الجنود إعدادًا نفسيًا ومعنويًا وبث روح الإيمان، وتوضيح الأبعاد الدينية والوطنية والقومية للقضية التى يحاربون من أجلها، ولم يكن ذلك يتم فى قاعات المحاضرات أو أماكن عقد الندوات، بل كان فى قلب الجبهة على رمال الصحراء فى حر الشمس بين الخنادق وفى الثكنات، يبثون روح الإصرار على النصر من خلال ضرب الأمثلة من جهاد النبى، صلى الله عليه وسلم، وصحابته فى الدفاع عن الحق ورد العدوان، وبذل الدماء فى سبيل حفظ الوطن وبيان منزلة الشهادة فى سبيل الله من أجله، إلى جانب إعداد الجبهة الداخلية من خلال خطب الجمعة والدروس الدينية، وعقد المؤتمرات الشعبية الحاشدة وإلقاء الأحاديث الإذاعية ونشر المقالات التى شكلت الوعى الدينى والوطنى الصحيح تجاه قضايا الوطن، والدعاء لله والتضرع إليه سبحانه أن ينصر بلادنا، بحيث أثمر ذلك عن وحدة متكاملة بين الشعب وقيادته وجيشه ومؤسسات الدولة تتجه نحو هدف واحد هو عبور الهزيمة وتحقيق النصر لبلادنا والحفاظ على وجودنا وهويتنا.
ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك، الدور العظيم الذى قام به فضيلة الإمام الأكبر عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر، فى دعم قواتنا المسلحة خلال فترة الحرب، حيث كان على اتصال دائم بالقيادة السياسية، مقدمًا كل العون اللازم، فقد ذهب الإمام إلى الجامع الأزهر وألقى خطبة بليغة أوضح فيها فضل الجهاد والدفاع عن الأوطان وبين فيها عوامل النصر، بحيث تحول الأزهر الشريف فى أيام المعركة إلى غرفة عمليات مدنية تقدم الدعم لجيشنا فى معركته من خلال فريق متكامل من كتائب الدعاة الأزهريين، يدعون إلى حماية جبهتنا الداخلية والحفاظ على المنشآت الوطنية والدعوة للتبرع بالدم ونشر وعى المعركة بين الشعب، وهذا هو الإمام الجليل محمد متولى الشعراوى، رحمه الله تعالى، كان له دور كبير فى الإعداد النفسى للجنود فى فترة ما قبل الحرب، حيث كان يذهب للجبهة ويلتقى بالجنود والضباط ويبين لهم فضل الجهاد فى سبيل الحق والدفاع عن الوطن، وفى إحدى محاضراته المسجلة مع الجنود قال فيها: «ما أسعدنى بهذا اللقاء، أسعد به سعادة تستشعر ثمرات ذلك اللقاء.. إننا جميعاً جنود الحق، أنا بالحرف وأنتم بالسيف، وأنا بالكتاب وأنتم بالكتائب، وأنا باللسان وأنتم بالسنان».
وهكذا على مر الأيام والأعوام والقرون، كان علماء الأزهر فى مقدمة الصفوف فى كل ما يختص بقضايا الوطن ومعاركه، ملتفين حول قادته قائمين بمساندتهم، مادين يد العون والتواصل مع مؤسسات الوطن وفئات هذا الشعب العظيم.