أحد أعز أصدقائى قال لى: «أنت مش وطنى.. يعنى إيه بتقول إن تيران وصنافير سعوديتين.. يا راجل حرام عليك».. كمية المناقشات حول الجزيرتين ترتب عليه مزيد من الخلافات الحادة بين الإخوة، كلا الطرفين يتمسك بوجهة نظر واحدة تماما مثل الأغنية الشهيرة «عروستى.. لا دى عروستى»، إية وثائق تخرج من طرف يتم الرد عليها بوثائق من الطرف الآخر، أى حديث عن السيادة المصرية يرد الطرف الآخر بأن المملكة سعودية، أى محاولة لإثبات تاريخية الجزيرة بالنسبة للملكة العربية السعودية، يرد الطرف الآخر بإجابة، وأين كانت المملكة العربية السعودية ونحن نقف على تلك الجزيرة ونحميها من العدو الإسرائيلى، أين كانت المملكة العربية السعودية من أغنية محرم فؤاد «فى تيران حيتان»، محاولة الاستعانة بكتاب محمد حسنين هيكل الذى أورد فيه حقيقة تنازل السعودية عن الجزيرتين لصالح مصر فى وقت سابق، تجد ردا عن التشكيك فى صحة معلومات الرجل نفسه، رغم أنه أكبر موسوعة تاريخية فى العصر الحديث.
الأصل فى كل هذا الاختلاف ليس سعودية الجزيرتين أو مصريتهما، لكن لأن المعلومة كانت غائبة، وفوجئ الجميع بخروجها للنور بعد سنوات طويلة من الحبس فى الأدراج، شهادتى على ترسيم الحدود فى الكلمات الآتية وأحاسب عليها أمام الله.
للأمانة بعد الاطلاع على الأوراق والمستندات التاريخية تبين أن المملكة العربية السعودية صاحبة الحق الأصيل فى استرداهما، ولكن مع هذا الحق الذى منحته الدولة المصرية للسعودية ولا نزاع فيه، إلا أن حق آخر سلبته الحكومة المصرية من الشعب المصرى، سلبت الدولة المصرية حق الشعب فى معرفة حقيقة المفاوضات وراء الجزيرتين، سلبت الدولة المصرية حق الشعب فى التعرف على أسباب خروج ملف الترسيم الآن، رغم أنه حبيس الأدراج منذ سنوات طويلة، سلبت الدولة المصرية حق الشعب فى فهم لماذا علمتنا الدولة فى المناهج التعليمية أن تيران وصنافير مصريتان وبعد عشرات السنوات أصبحتا بين يوم وليلة سعوديتيين، سلبت الدولة المصرية حق الشعب فى المعرفة، فبدلا من أن تخرج المعلومات الحقيقية للنور قبل أيام أو أسابيع من الاتفاقية، خرجت المعلومة بعد التوقيع بـ24 ساعة، سلبت الدولة المصرية حق الشعب فى فهم هل هناك ربط بين كل الاتفاقيات التى هى بالأساس خير لمصر وبين توقيع الترسيم أم أن الترسيم كان سيحدث الآن أو غدا أو بعد عام!
ليس ذلك فقط، بتحرك الدولة المعلوماتى الضعيف فى تلك القضية تركت الدولة نفسها فى مواجهة عبارات من نوعية «عواد باع أرضه» رغم أن حاكم الدولة هو الأحرص على كل شبر فيها، بل تباينت الدولة فى تعاملها مع الإعلام، فرغم كل الشعارات المطاطة نحو التعاون مع الإعلام لتهيئة الشارع المصرى إلا أن الصحافة السعودية كانت تعلم قبل الصحافة المصرية ونشرت تقارير موسعة قبل التوقيع بأسبوع.
من بين أبرز التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعى بوست للصديق العزيز جمال صلاح يقول فيه: «حكومة فاشلة تماما فى إدارة علاقتها العامة «pr» مع الشعب، بل يصل هذا الفشل إلى حد الجليطة واستغراب حزن الناس على ضياع جزء من أرضهم»، وهذا هو الواقع فعلا، رغم الاعتراف بأنها أرض سعودية إلا أن هناك حزنا مصريا عليها، رغم أن أغلبنا لم يزرها ولم يعرفها من قبل ولم يدرك هل كلمة تيران بـ«التاء» أم «الطاء»، ولكن تلك الأرض عليها دم مصرى فى سنوات حرب سابقة.