الفترة الماضية شهدت انخفاضات معقولة فى أسعار العديد من السلع الغذائية الأساسية، بصورة ملفتة، تتراوح ما بين 20 إلى 30% تقريبا، ولعل أبرز الانخفاضات كانت من نصيب اللحوم والأسماك بمختلف أنواعها، وقد انخفضت الأسعار بصورة ملحوظة فى الريف المصرى فى الوجهين القبلى والبحرى، وتراوحت أسعار اللحوم الحمراء البلدية ما بين 80 إلى 100 جنيه للكيلوجرام، فى ظل توافر المعروض، و إقبال المواطنين على الشراء، إلا أن المثير فى الأمر أن أسعار نفس السلعة لم تتأثر كثيرا فى القاهرة الكبرى، خاصة لدى السلاسل التجارية والهايبر ماركت، التى مازالت تبيع كيلو اللحوم الحمراء بسعر متوسط من 130 إلى 180 جنيها تقريبا، حسب اختلاف أنواع وجودة اللحوم.
والسؤال الذى يبحث عن إجابة لماذا تسعى السلاسل التجارية فى القاهرة الكبرى إلى تحقيق مكاسب تصل إلى 45 و 50% ؟! فى حين أنها الأقدر على التفاعل مع متغيرات الأسعار، نظرا لحجم الكميات الكبيرة التى تشتريها هذه السلاسل، بأسعار تقل عن الطبيعى، بنسبة قد تصل إلى 20%، بالإضافة إلى الرواج وكثرة المبيعات التى تحققها، ومن ثم زيادة الأرباح ودورة العمل داخلها بصورة أفضل من محال الجزارة مثلا، إلا أن ما يحدث يخالف الواقع تماما، فالمغالاة تبدأ من هذه السلاسل التجارية فى أسعار مختلف السلع، على رأسها اللحوم، وتحقق من ذلك مكاسب خيالية.
يجب أن يتحرك جهاز حماية المستهلك ومباحث التموين من أجل ضبط الأسواق ووضع الأسعار فى نصابها الطبيعى لتختفى هذه الفروق المفزعة بين منطقة وأخرى، أو بين الريف والمدينة أو الجزار الموجود فى الشارع والهايبر ماركت المجاور له.. وهنا سنجد من يقول إن السوق حرة، ولا يمكن فرض تسعيرة جبرية على أحد، والمستهلك له الخيار فى أن يشترى سلعته من المنفذ المناسب... نعم هذا كلام صحيح من حيث المبدأ إلا أن التعامل معه على الإطلاق ليس مطلوبا خاصة من جانب الأجهزة الرقابية، فيجب أن تكون هناك أسعار استرشادية يتم التحرك فى إطارها وتوعية المستهلك بها، كأن يتم يوميا إعلان أسعار السلع والمنتجات فى مختلف المناطق وفقا لمؤشرات العرض والطلب، كأن نقول سعر الكيلو جرام من اللحوم يتراوح بين 80 إلى 100 جنيه، وهنا نخلق الوعى المناسب لدى المستهلك.
البعض سيقول إن الأسعار الاسترشادية بالفعل يتم إعلانها من خلال أسواق الجملة.. هذا بالفعل صحيح، إلا أن أسعار الجملة لا تشمل خدمات النقل، وكذلك العمالة اللازمة والتخزين وغيرها، فنحن نرى جميعا سعر كيلو الطماطم على سبيل المثال فى سوق العبور بسعر 2.5 جنيه، بينما يصل سعره لدى التاجر 5 أو 6 جنيهات على الأقل، إذن فما نقدمه من أسعار عن أسواق الجملة يختلف بنسب تصل إلى 100% عن سعر البيع للمستهلك، لذلك نحتاج إلى قوائم استرشادية يومية أو أسبوعية تحدد أسعار السلع والمنتجات، فهذه أول خطوة على طريق حماية المستهلك والتوعية بحقوقه.
المواطن يستحق أن يحصل على سلعة أو خدمة عالية الجودة بسعر مناسب دون أن يتم استغلاله من جانب سلاسل تجارية أو تجار جملة أو تجزئة، فيجب أن تحصد الفئات الفقيرة والمهمشة أى ثمار للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى الذى تنشده الدولة قبل أى أحد، وهذا الإصلاح لن يشعر به العامل البسيط أو الموظف المتوسط إلا من خلال ترجمة على أرض الواقع فى صورة انخفاض أسعار سلعة أو خدمة.