"السرايا الصفرا" مكان ارتبط في ذهن المصريين بعلاج المرضى النفسيين، وتباينت الروايات في سبب التسمية، حيث أقام السلطان قلاوون مكان المستشفى لعلاج كل الأمراض بمختلف فروع الطب وبعد تدهور حال المستشفيات فى مصر وقتها، هُجرت المستشفى بشكل تدريجى، ولم تعد حالتها متاحة لاستقبال المرضى، وذلك فى عهد محمد على الذى نقلها إلى منطقة بولاق، وبقى هناك المرضى حتى عصر الخديوى إسماعيل وتدهورت أحوالهم بصورة كبيرة حتى نقلهم الخديوى إسماعيل عام 1880 إلى قصر بالعباسية على أطراف القاهرة وقتها، وكان القصر يرجع لأحد الأمراء سابقاً ويسمى بالسرايا الحمراء نظراً للون المبنى المائل للأحمر، وفى عام 1883 التهمت النيران المبنى فى حريق ضخم وأتت عليه تماماً إلا مبنى صغير من طابقين تم طلاؤه مرة أخرى فى محاولات الترميم باللون الأصفر، وكانت هذه البداية للتسمية التى استمرت إلى الآن فى الوعى الجمعى للمصريين لما يقرب المائة عام من الزمن.
ومع مرور الوقت جاءت "السرايا الزرقا" لتخطف الأضواء من "السرايا الصفرا"، بعدما بات "الفيس بوك" بمثابة بيئة خصبة لبعض الأشخاص للانتعاش وارتكاب كافة الموبقات، حيث حولوا هذه الأداة من وسيلة اجتماعية لوكر ومسرح للجرائم، ينتهك من خلالها كل شىء، ما بين جرائم سب وقذف وتشهير وخوض في الأعراض، وصولاً لـ"الشات الحرام" والجرائم غير الأخلاقية، التي بدأت تطل برأسها على مجتمعنا المسالم الهادئ بعد ظهور الفيس بوك في حياتنا وإساءة البعض فى استخدامه.
هوس البعض في الجلوس على الفيس بوك "السرايا الزرقا" لساعات طويلة على مدار اليوم الواحد، حولتهم لمرضى نفسيين، ما بين أشخاص يخوضون معارك وهمية عبر منصات التواصل الاجتماعي، وآخرين يكتبون أي شىء عبر صفحاتهم الشخصية، حتى لو "دخل الحمام" لا يحرمنا من هذا المشهد، وصنف آخر يطل علينا من خلال بوستات في ظاهرها الصالح العام وفي باطنها العنف والتخريب وبث الشائعات وتصدير الإحباط للآخرين، وصنف آخر يستفزون الجميع بكتاباتهم الثقيلة وروحهم الأثقل، حتى بات هذا المكان بمثابة "سرايا زرقا" للبعض.
لا يمكن هنا أن نتغافل صفحات مضيئة لأشخاص أسوياء يحولون دوماً الألم لأمل، وآخرين ينشرون التفاؤل والطاقة الإيجابية ويوزعون ابتسامات الأمل والرضا بين الناس كل صباح، ما أحوجنا دوماً للنظر فى صحفاتهم.