"ها أنت تهجر وطنك لتطلب العلم فى باريس وحيدًا فدعنى أهدى إليك هذا الحديث عن أيام طلب الوالد العلم فى الأزهر، لعلك ترتاح إليه كلما أجهدك درسك بين الحين والحين، هناك ترى لونًا لم تعرفه من ألوان الحياة فى مصر وتذكر شخصًا طالما ارتاح إلى قربك منه، وطالما وجد فى جدك وهزلك لذة لا تعدلها لذة ومتاعًا لا يعدله متاع".. هذا ما قاله الدكتور طه حسين إلى ابنه "مؤنس" فى كتابه "الأيام" الجزء الثانى.
أحزنتنى جملة "عالم مصرى مغترب" عندما فكرت، اليوم، فى ذكرى رحيل عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين أن أقرأ عن ابنه "مؤنس" وقد فجعتنى تلك الجملة فى "ويكيبيديا".
كيف لابن طه حسين، حتى إن قضى معظم حياته فى فرنسا يعمل فى منظمة اليونسكو فى مقرها بالعاصمة الفرنسية، وأنجب ابنة وحيدة اسمها "أمينة" تعيش مع زوجها اليابانى فى العاصمة البريطانية لندن، ومات فى فرنسا عام 2008، أن يوصف بهذه الجملة القاسية.
لقد اختار مؤنس طه حسين، تأثرا بوالدته السيدة سوزان اللغة الفرنسية حديثا وأجادها بشكل كبير حتى أنه كتب ديوانه الأول "شاحباً كان الفجر" بها وهو فى السادسة عشرة من عمره، لكن روحه كانت عربية شرقية حتى أنه حصل على الدكتوراه فى باريس عن تأثير الآداب الإسلامية فى الأدب الفرنسي.
الآن أراجع، مع نفسى، الصورة القاتمة التى شكلتها ذات مرة عن مؤنس طه حسين، ظننته رافضا للشرق، لا يعرف مصر ولا أهلها، لكن بقراءة المتاح من حياته وجدته، عائشا فى باريس بروح شرقية تماما تتماس مع إرث أبيه العظيم.