لم أتعجب من التصريحات التى بدأت تتردد خلال الأيام الماضية عن ضرورة دعم الفلاح وصغار المزارعين، الذين يعملون فى مجال تربية الماشية، نتيجة لانخفاض أسعارها بمعدلات وصلت إلى 50% تقريبا، فالهدف من هذه التصريحات ليس كما يشاع لدعم الفلاح أو مشاركته محنته، بل للمطالبة بوقف استيراد اللحوم من السودان ومن العديد من الدول التى تتعامل معها مصر تحت دعوى أن هذا الإجراء قد يساهم فى استعادة أسعار الماشية مرة أخرى.
الحقيقة من يروجون لأكاذيب دعم الفلاح خلال الأيام الماضية ما هم إلا أصحاب مصالح، ومستفيدون من وقف باب استيراد اللحوم، حتى يتمكنوا من استعادة مكاسبهم مرة أخرى، التى كانوا يجنونها بالملايين من أقوات الطبيب والمهندس والمعلم والعامل والفلاح، الذى يتحدثون عنه اليوم.
لماذا تذكر هؤلاء الفلاح الآن ويتحدثوا باسمه؟! .. الفلاح أو المزارع الصغير الذى يمتلك بقرة أو اثنين لن يتأثر بانخفاض أسعار الماشية لأنه لا يبيع ناتجها مرة واحدة فى العام من "الولدات الصغيرة"، لكنه قطعا يشترى اللحم مرة أو مرتين فى الأسبوع على الأقل ليطعم أسرته، وبالتأكد سيسعد لانخفاض أسعار اللحوم عن انخفاض أسعار الماشية، بل إن انخفاض أسعار الماشية فى الوقت الراهن قد يكون استثمارا مناسبا لمن يخطط لشراء المزيد لإنتاج اللبن والجبن أو التربية، فالمعادلة من طرفين وليست من طرف واحد، فكما يبيع بسعر منخفض، فيمكنه أيضا أن يشترى بسعر مناسب ويستثمر فى كل ما اشتراه تحركا من حالة السوق صعودا وهبوطا، خاصة أن الكل يعرف أن أسعار الماشية كانت مبالغ فيها بصورة غير معقولة خلال الفترة الماضية.
لا يمكن للدولة أن تتوقف عن استيراد اللحوم وتأمين احتياجات المواطنين من السلع الأساسية والرئيسية، كقضية أمن غذائى مرتبطة بالأمن القومى، تحت عنوان عريض جذاب وكذبة كبيرة تسمى "دعم الفلاح"، لا يمكن أن ندعم مافيا اللحوم وأصحاب مزارع الدواجن الضخمة ليرفعوا الأسعار ويتلاعبوا بأقوات الناس للقول بأننا ندعم الفلاح، فى الوقت الذي نرى فيه من يتحدثون عن دعم الفلاح هم أكثر أصحاب المصالح، الذين يخططون بصورة مباشرة لرفع الأسعار وتحقيق المكاسب، تحت أى ظروف ودون مراعاة لمحدودى الدخل والفقراء، على رأسهم الفلاح، فمن يتحدثون باسم الفلاح لا يقدمون سوى بيانات صحفية يوميا ويتاجرون بالقضية فى المؤتمرات والندوات، لدرجة أن هناك حوالى 3 أو 4 جهات تتحدث باسم الفلاح فى وسائل الإعلام على الرغم من أنها جميعا غير رسمية.
هل يمكن لأى دولة فى العالم أن يشتكى مواطنوها من انخفاض أسعار السلع أو الخدمات ؟! فلماذا نشتكى إذا من انخفاض أسعار اللحوم أو انخفاض أسعار الماشية ؟!
إذا أردنا حقا دعم الفلاح فهناك عشرات الطرق لتقديم العون والمساعدة، أهمها أن نقدم له بذور جيدة تعطى له محصولا جيدا، ونوفر له أسمدة بأسعار معقولة، وإرشاد زراعى حقيقى، وخدمات من الجمعيات الزراعية المعطلة فى القرى والأرياف، أن ندعمه بتأمين صحى، ونسوق محاصيله ولا نتركها لتجار التجزئة وسلسلة الوسطاء التى تستنزف مكاسبه.
لو أردنا وقفة حقيقية لدعم المواطن فى قضية أسعار اللحوم فعلينا أولا مراقبة محلات الجزارة، ومخاطبة شعبة القصابين فى الغرفة التجارية، فالجزار يحتفظ بمكاسب مضاعفة من انخفاض أسعار الماشية أولا، ثم من تثبيت الأسعار عند المستويات القديمة، التى كان يصل فيها سعر الكيلو من 140 إلى 160 جنيه، فى حين أن السعر العادل لن يتجاوز 80 جنيها، وهذا يستلزم رقابة ومحاسبة من جانب أجهزة الدولة ووعى وتحرك من المواطن، الذى عليه أن يشترى من الجهات التى توفر أنسب الأسعار، ويقاطع كل من يحاول استغلاله.