فجأة ظهرت الوثائق كالمطر فوق رؤوس المصريين وكأننا فى حصة جغرافيا ومطلوب من المواطن أن يتحول لتلميذ يقرأ ويحلل، هذه وثيقة بين الوالى التركى أرسى أر وبين الأمير اللواء إبراهيم فتحى مندوبا عن الخديوى عباس حلمى الثانى ١٩٠٦ تقر أن الجزر حد فاصل بين حكومة مصر وحكومة الحجاز، وتلك وثيقة بين الملك فاروق والملك خالد بن عبد العزيز يعطى فيها الحق لمصر لحماية الجزيرتين من جيش إسرائيل وقواته البحرية فى البحر الأحمر بعد حرب فلسطين، ثم خرائط ومخطوطات أهمها وأبرزها ما ذكره جمال حمدان فى شخصية مصر وقوله إن الجزيرتين سعوديتان تديرهما مصر ثم شهادة هيكل فى كتابة سنوات الغليان وإقراره بنفس المعنى .
إذن التاريخ والمخطوطات تقر بذلك لكن السؤال المنطقى لماذا انتظرت السعودية كل هذه السنوات نحو ٦٦ عاما لتطلب الجزيرتين الآن، والسؤال الأهم لماذا أثناء زيارة العاهل السعودى وتوقيع اتفاقيات اقتصادية تدعم بها المملكة مصر بما قيمته ٨٠ مليار ريال، سواء فى صورة مشاريع مشتركة أو استثمارات أو غيره، هنا مربط الفرس، التوقيت والسياق العام جعل الذهنية الشعبية تعيد إنتاج أغنية متجذرة فى الوجدان الشعبى هى "عوّاد باع أرضه" وتحولت لهشتاج ما جعل الظهير الشعبى للسيسي يطلق هاشتاج تحول لـ"تريند" وهو السيسي صاين أرضه، وتحولت الشبكة العنكبوتية لحرب ودخل الإخوان كالعادة للصيد فى الماء العكر، وخرج علينا الهارب أيمن نور ليقول إن الجزيرتين وحدوا المصريين ضد السيسي وهو منتهى أمله كسياسى يلعب بالبيضة والحجر، وخرج كل النشطاء من محاجرهم بحناجرهم التى صدأت لركوب الموجة والبحث عن دور أدوه بمنتهى الرداءة والسماجة، وخرج أحد الإعلاميبن ليقول إنها مقايضة الأرض مقابل المال والاستثمار والجميع بلا استثناء على خطأ .
الحكومة وإدارة ملف الزيارة تعاملت بغباء شديد وكأنه لا يوجد فيهم عاقل رشيد، لماذا وسط فرحة المصريين بكل الاتفاقيات الاقتصادية يبرز ملف الجزيرتين، ألم يكن من الأحوط والأكثر حنكة أن يعلن مثلا أن الدولتين قررتا تشكيل لجنة على أعلى مستوى من المتخصصين وبإشراف الجامعة العربية وحتى الأمم المتحدة لمناقشة وحسم أزمة قديمة تتعلق بترسيم الحدود دون ذكر الجزيرتين وأن اللجنة سيكون عملها مع لجنة من البرلمان، ألم يكن من الأحوط أن يشار للموضوع تلميحا، وتتم مناقشته بتفصيل وتأن وروية احتراما لعقول المصريين ومشاعرهم، الحكومة ومن يدير ملفاتها يجهلون تركيبة المصريين وأكبر دليل البيان الذى صدر مساء الأحد وكأنه يلقى بحجر فى عيون كل مصرى، المصريون دفعوا دماءهم دفاعا عن أرضهم فى حروب ٤٨ و٥٦ و٦٧ والاستنزاف وأكتوبر، امتزجت دماؤهم بمياه البحر وذرات الرمل وروت شبه جزيرة سيناء، لا يصلح ولا ينفع أن يستيقظوا فجأة لتعلن لهم الحكومة أن الجزيرتين سعودية مع كامل احترمنا للملكة ومواقفها الداعمة لـ٣٠ يونيو، التوقيت خاطئ والمعالجة فى منتهى الغباء والحمق والاستهانة بمزاج المصريين العام، لذلك كان أكثر المستاءين الجاليات المصرية بالخارج خصوصا بالسعودية، وتعليقات بعض الشباب السعودى كانت مستفزة وقاسية وجارحة، أعلم أن السوشيال ميديا مرحاض عمومى والدول لا تدار بالفيس بوك وتوتير لكن لا يمكن تجاهل نبض الرأى العام على وسائل التواصل الاجتماعى، كما أن سرعة الردود وإظهار الخرائط من الوزارات بدأ من مجلس الوزراء حتى الخارجية والبيئة والمحافظين مرورا بالتربية والتعليم التى تناقضت تصريحات وزيرها كلها تؤكد التخبط والعشوائية فى المعالجة وإدارة الأزمة .
فى المجمل الآن الكرة فى ملعب البرلمان ومطلوب من السادة النواب المحترمين أن يتحملوا المسئولية التاريخية والوطنية، وإذا ثبت عبر المتخصصين والوثائق أنها جزر سعودية فعلا لابد أن يطرح ذلك عبر استفتاء شعبى وتكون الكلمة للشعب حسب الدستور الذى ينظم بوضوح فى مادته ١٥١ هذا الأمر، أخيرا هل تتعلم الحكومة من ثورة الغضب التى أفسدت الزيارة وضربت كرسى فى الكلوب وحولت الفرح إلى محزنة .