كل متابع للأحداث الإقليمية، وما يجرى فى إيران لا يتوقع أن ينتهى التوتر والصراع، بل ربما تكون الأحداث القادمة أكثر درامية، صحيح أن السلطات الإيرانية أعلنت أنه تمت السيطرة على أغلب الاحتجاجات، وأن الأوضاع ستعود إلى سابق عهدها، لكن الواقع ربما لا يؤيد هذا التصور، خاصة أنه بالرغم من أن السلطة تتحدث عن أياد خارجية فإن الحكومة لا تنكر أنه بصدد إجراءات اقتصادية قد تضاعف من حجم الغضب، وبعد أيام من اندلاع أعنف مظاهرات اعتراضا على رفع أسعار الوقود تشير الداخلية الإيرانية إلى مقتل عدد من رجال الأمن، والمعارضة تعلن عن عشرات القتلى من المتظاهرين، الحكومة الإيرانية اعتبرت خطة رفع أسعار البنزين جزءا من الإصلاح الاقتصادى الذى تحتاجه البلاد، سواء كانت هناك عقوبات أم لا، لكن واضح تأثير العقوبات الاقتصادية، وأيضا الأزمة التى تعد نتيجة مضاعفة الإنفاق على مناطق النفوذ الإيرانى فى العراق واليمن ولبنان وسوريا.
الحكومة الإيرانية، على لسان متحدثها الرسمى، تصف المظاهرات بأنها «أحداث شغب»، وتوجه اتهامات إلى جهات خارجية بالوقوف خلفها، ويقول قائد قوات الباسيج فى الحرس الثورى، اللواء غلام رضا سليمانى: «أمريكا فشلت فى مخططها لإثارة الفتنة فى إيران، فهى لم تنجح مطلقا فى زعزعة أمن إيران، وواجهت هزيمة جديدة»، فى الوقت الذى تنشر فيه الصحف الأمريكية ما تقول إنه وثائق عن تدخل إيرانى فى العراق ولبنان وأنشطة الأجهزة الأمنية أعمال الشغب التى شهدتها بعض مدن البلاد«.
اللافت للنظر أن إيران تتهم جهات خارجية وعلى رأسها أمريكا، فى الوقت الذى تنشر فيه «نيويورك تايمز» وثائق عن أنشطة الاستخبارات الإيرانية فى العراق، وزيارة قاسم سليمانى إلى العراق، فى محاولة لمواجهة المظاهرات التى تندد بالتدخل الإيرانى فى العراق، صحيفة نيويورك تايمز تتحدث عن تجنيد عملاء فى العراق، ودفع الحرس الثورى رواتب وكلاء وعملاء فى العراق والتسلل لكل دوائر صنع القرار والأحزاب والاقتصاد، وتنسب إلى معلق أمريكى أنه: لا يمكن لأى سياسى عراقى أن يصبح رئيساً للوزراء دون مباركة إيران، ربما لهذا رفع المتظاهرون العراقيون شعارات وهتافات منددة بالتأثير الإيرانى فى السياسة العراقية، وحرقوا الأعلام الإيرانية وهاجموا القنصلية الإيرانية.
الصحيفة الأمريكية تشير إلى أن تغلغل إيران فى العراق بدأ عام 2014، بينما النفوذ الإيرانى فى العراق يتسع منذ الغزو الأمريكى، وبمعرفة وتسهيل من الولايات المتحدة، وهو ما أعلنه بول بريمر، أول حاكم عسكرى للعراق بغد الغزو الأمريكى، وقد ساهم الدستور الطائفى الذى أقر بمعرفة الولايات المتحدة هذا التدخل، ولهذا تتحدث نيويورك تايمز فى هذا التقرير عن «سقوط العراق تحت النفوذ الإيرانى منذ الغزو الأمريكى فى عام 2003 الذى حول العراق إلى بوابة للقوة الإيرانية، يربط جغرافية الجمهورية الإسلامية للهيمنة من شواطئ الخليج العربى إلى البحر الأبيض المتوسط».
إيران تشير إلى تدخلات أمريكية وراء مظاهرات الداخل، بينما تتدخل طهران فى لبنان والعراق واليمن، وربما تكون الأزمة الاقتصادية التى تواجهها راجعة إلى التوسع فى الإنفاق على النفوذ فى المنطقة، وهو أمر ذو كلفة مرتفعة تضاعف من أزمة الاقتصاد الإيرانى.
من هنا ربما تكون العقوبات الأمريكية كشفت عن الأزمة التى كانت سوف تظهر فى أى وقت. وفى حال استمرت السياسات الأمنية والإقليمية لإيران فى العراق واليمن ولبنان وسوريا، فإن هذا من شأنه أن يضاعف من أزمة الاقتصاد الإيرانى، وهو ما تراهن عليه الولايات المتحدة فى صراعها مع طهران فى أعقاب إلغاء الاتفاق النووى، واتجاه طهران إلى مضاعفة إنتاجها لليورانيوم وتطوير برنامجها النووى، وهى خطوات تحتاج إلى موازنات وإنفاق ربما يضاعف من أزمات الاقتصاد بما قد يجعل المظاهرات والاحتجاجات قابلة للتجدد، خاصة أن أطرافا فى الحكومة الإيرانية دعت للتراجع عن قرارات رفع أسعار الوقود واعترفت بوجود معاناة كبيرة لمواطنين، دفعتهم للاعتراض وهى أسباب ما تزال قائمة، خاصة فى ظل استمرار سحب الأموال للإنفاق على مناطق النفوذ.