بعيدًا عن الجدل الدائر حول تبعية جزيرتى تيران وصنافير والذى أتوقع ألا ينتهى سريعًا وربما يطول لسنوات، تبقى القضية الأهم فى رأيى هى الإجابة على سؤال جوهرى.. من منا الوطنى ومن الخائن العميل؟.. من الشريف ومن المأجور؟.
أنا لم أطرح السؤال من فراغ، ولكن لأن هذه للأسف هى الحالة التى أصبحنا عليها جميعًا، فمن يتفق معى فى الرأى والتوجه والفكر وطنى شريف عاشق لبلده، ومن يختلف معى خائن عميل مأجور ممول، لم نعد نعرف الخلاف الحميد ولم نعد نؤمن بأن هناك اختلاف على أرضية وطنية، وأسمعنى واسمعك، واقنعنى وأقنعك، واحترمنى واحترمك، بل اختفت من قاموسنا قاعدة أن الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، لأن الخلاف عندنا وبيننا أصبح عداوة وكراهية وأذان بالحرب.
الأصل فى المشكلة هى حالة التطرف فى المواقف التى فرضت علينا منذ أن صدرت لنا السوشيال ميديا مصطلحات الخيانة والعمالة فى السنوات الأخيرة، كى تخلق الفجوة وتمهد الطريق للانقسام المجتمعى، وكالعادة لعب الإعلام الدور الأكبر فى ترويج هذه المصطلحات وتحويلها إلى ثقافة تعامل بيننا، وابتلعنا جميعًا الطعم واستجبنا لتلك الثقافة الدخيلة دون أن ندرك خطورة هذا الأمر علينا وأنه جزء من حروب الجيل الرابع التى تدار ضدنا وتستهدف تدميرنا من الداخل، وبدلا من أن نواجه المخطط مارسنا لعبة تصعيد وتيرة التناقضات والنفخ فى كير الاتهامات القذرة وكأننا ننفذ المخطط.
وكانت النتيجة أننا دفعنا ومازلنا ندفع ثمن هذه الجريمة مع كل قضية خلافية ظهرت خلال السنوات الأخيرة، فقد انقطعت سبل الحوار بيننا ولم نعد نبحث عن نقاط التقارب، وإنما تحكمنا الاتهامات المتبادلة والشتائم بأفظع وأسوأ الألفاظ، مثل ما يحدث الآن فى ملف تيران وصنافير، فلم تعد القضية بالنسبة للطرفين البحث عن الحقيقة ولا التحرى الدقيق حول تاريخ الجزيرتين وجنسيتهما، وإنما أصبح الهم الأكبر للجميع وهو البحث عن تهمة أو وصف أكثر عنفًا وإساءة يطلقه كل طرف على الأخر ليفقده شرعيته.
كان يمكن أن ننهى خلافات كثيرة بيننا لو آمنا جميعًا بأن الوطنية ليست حكرًا على أحد ولا هى طريق واحد، وإنما للوطنية وجوه عديدة وطرق شتى، وأن هناك فارق بين الوطنية وبين القناعات والقرارات، فالوطنية يمكن أن تكون بدعم القيادة السياسية ومساندتها فى كل قراراتها دون معارضة، ويمكن أن تكون أيضا عدم تمرير أى قرار الا بعد مراجعة ومناقشة والاطمئنان له، وكما يحق للبعض أن يربط الوطنية بالإصلاح والحرية، فمن حق الآخرين أن يرون الوطنية أن نتوحد فى مواجهة الارهاب وأن نؤجل الخلافات والمطالب الشخصية حتى نحمى بلدنا واستقرارها، وإذا كان البعض يرى الوطنية أن نقاطع دولا وأن نعلن الحرب على أخرى، فللآخرين أن يفسروا الوطنية الآن بأنها البحث عن مصلحة البلد دون مزايدة أو تورط فى قرارات عنترية، ومثلما من حق البعض أن يقصر الوطنية على الثورجية، فمن حق آخرين أن يرون الوطنية حق لكل مواطن مصرى دون شرط أن يكون ثورجى.
بالتأكيد كل هؤلاء على اختلاف قناعاتهم وطنيون يعشقون بلدهم ومستعدون للتضحية من أجلها، لكن كل مواطن وله طريقته التى علينا جميعًا أن نحترمها طالما لم تحجر علينا ولم تحرمنا من حقوقنا، وعلينا جميعا أن نمد أيدينا لنقرب المسافات ونجسر الفجوة، ولا أقول هذا من أجل الرئيس السيسى أو طلب دعمه، وإنما من أجل مصر، فالإصرار على التخوين والعمالة لن نجنى من وراءه سوى تدمير الوطن.