فى الوقت الذى تسابق فيه الحكومة الزمن لإنجاز مشروع العاصمة الإدارية ، وتنفيذ القرار الرئاسى بنقل دواوينها الى هناك منتصف العام الجديد 2020 ، فهى تسابق الزمن فى اتجاه آخر، ربما لا يقل أهمية ، يستهدف ازالة الترهل الذى لحق بوجه العاصمة الأم بعد أن شاخت ، وتركت السنين ( 1044عام ) آثارها على شوارعها وخدماتها ، وفقدت بريقها تحت وطأة زيادة سكنية غير منضبطه ، وملايين يحتشدون فى شوارعها صبيحة كل يوم ذهابا وايابا ، من والى مبانى وزارات دواويين حكومية ..
المتابع لشأن القاهرة ، ويدرك مكنون تفردها وعظمتها ، يعرف كيف اختفى البريق ، وانطفأ الوهج أمام زحف للعشوائية والفوضى ، وعدم ادراك للقيمة ، وتفرغنا فى السنوات الأخيرة الى الحديث عن ضياع القاهرة الجميلة الى غير رجعة ، وفقدان قاهرة المعز بغير أمل ، واقتصر الأمر على محاولات هنا وهناك لم يكتب لها النجاح الكامل ، أو حققت نجاحا جزئيا ثم تراجعت أمام قوى الفوضى ، وتفرغنا أيضا للحديث عن القاهرة " التى كانت " ونبكى أطلالها ، دون إجراء حقيقى على الأرض ..
لو كان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد كرس كل جهده فقط لإنجاز مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ، لكفاه ، لأننا بلغة الأرقام أمام مشروع معجز ، يسحب الكتلة العمرانية فى اتجاه الشرق بعيدا عن الشريط الضيق للنيل ، مشروع معجز فى تحدياته الإنشائية والمالية والتمويلية والإنشائية المعمارية، فهو يعادل سنغافورة ، ولكنه ورغم هذا لم يعط ظهره للعاصمة الأم ، وكانت هناك نظرة أكثر وعيا وادراكا لمكنون القاهرة التاريخية ، من الناحية التراثية والمعمارية والآثرية ، وهو الأمر الذى يكسب قاهرة المعز عبقها ، وقيمتها وتميزها ، فكانت قرارات الرئيس بتنفيذ عدة مشروعات لا تقل هى الأخرى أهمية عن مشروع العاصمة الإدارية ، فى شتى الإتجاهات ، لتكون بمثابة بقع ضوء منيرة وقلاع ثقافية تضىء وجه القاهرة ، وتعيد إليها شبابها ، المشروعات كثيرة ، متابعدة من أقصى اليمين الى أقصى اليسار ، ومن الشمال الى الجنوب ، وفى عدة مناحى ، بداية من مشروعات الطرق التى تستهدف توسعة شرايين العاصمة ، وبرفع كفاءة الطريق الدائرى ، ويظهر الأمر جليا فى حى مصر الجديدة الذى يتم فيه مشروع معجز ومبدع وتحكمه رؤية هندسية ، ليعود الى سابق عهده وبريقه ، والملفت ان المشروع تم فى زمن قياسى ، وراعى تميز حى مصر الجديدة باللون الأخضر فتم نقل الأشجار والحفاظ على النسب ، وقبل أن نترك مصر الجديدة لابد ان ننوه لمشروع ترميم وتطوير قصر البارون امبان منشىء ومؤسس حى مصر الجديدة ، ليكون مزارا سياحيا وشاهدا على ما صنعه هذا البارون ، وما يصنعه المصريون اليوم ..
كذلك لابد من الحديث عن مشروعات المترو ، والقطار الكهربائى والمونوريل ، وخطوط المترو الأصلية ، كل هذه الأمور مهمة فى تسليك شرايين العاصمة المتجلطه ، وتتكامل فى ذات الوقت مع ما هو أهم من وجهة نظرى : انجاز مشروع المتحف المصرى الكبير وافتتاحه اكتوبر من هذا العام ، ليحدث نقلة نوعية فى مدخولات السياحة ، وليتكامل مع مشروع آخر لا يقل أهمية فى الفسطاط هو متحف الحضارة ،ومن حوله منطقة وبحيرة عين الصيرة ، وكانت رؤية الحكومة أن تتحول منطقة مصر القديمة الى منجم حقيقى للسياحة بعد ان سقطت فى دوامة العشوائية لعقود ، وذلك بتنفيذ مشروع جميل ومهم يتعلق بترميم وتطوير الآثر الإسلامى الفريد المتمثل فى سور مجرى العيون وتحويله والمحيط ( بعد ازالة ونقل ورش الجلود الى الروبيكى ) الى منطقة سياحية ، تتكامل مع منطقة مجمع الأديان الفريد والذى لا مثيل له فى العالم والمتمثل فى جامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة ، وفى معبد عيزرا اليهودى ، ومنذ فترة تم تطوير القاهرة التاريخية او القاهرة الباريسية ، وان كان هناك ملاحظات على مستوى ودقة الترميم واهتمامه بالمظهر على حساب الجوهر ، ولكن يبقى مشروع تطوير ميدان التحرير ، هذا الميدان الذى انشىء على طراز الميادين الشعاعية الباريسية ، وليكون نهايتها من ناحية النيل ، هو درة تطوير قلب القاهرة وعلامة تجديد شبابها لأنه قبلة كل من يزور القاهرة ، هذا المشروع يستهدف لأول مرة اعادة بناء مسلة فرعونية كانت عبارة عن عدة اجزاء وملقاة فى المخازن لتتوسط الميدان ، ولتصنع منه مع كباش أثرية ميدان جديد بروح فرعونية ، ميزت مصر وتاريخها ، حيث لم يكن مقبولا ان يفاخر العالم بمسلاتنا ، وينصبها فى أهم ميادينه ونحن نضعها فى المخازن .. وهناك غير هذه المشروعات الكثير الذى لا يتسع المقام لذكره .
ثقتى فى الرئيس وفى همته ، وفى دأبه وحرصه على مراعاة التفاصيل ، بلا حدود ، وأثق فى وعده باننا أمام مصر جديدة فى كل شىء ، واثق أننا فى منتصف هذا العام سنكون أمام عاصمتين : إحداهما تاريخية استعادت بريقها ورونقها ، واخرى ادارية جديدة تخاطب المصريين بلغة العصر والحاضر والمستقبل ، وتليق بمصر فى العقود القادمة