مع كل هذا البرد، وكل هذه الاستعدادات التى نقوم بها لمواجهته من جواكيت مستوردة، وملابس ثقيلة، وبطاطين تناسب موجات الصقيع، ومدافئ كهربائية وتكييفات ساخنة، يظل المشردون وأطفال الشوارع ومن هم بلا مأوى، دون غطاء يحميهم من قسوة البرد، وعنف الشتاء، فلا يجدون الوجبات الساخنة التى ترفع حرارتهم، أو الملابس الثقيلة التى تمنحهم الدفء، فيقضون ليال طويلة لا شيء فيها سوى نباح الكلاب الضالة فى الشوارع الفارغة.
المشردون ومن هم بلا مأوى ظاهرة موجودة فى كل أنحاء العالم، فتجدهم فى عواصم الدول الكبرى، والميادين الرئيسية، وصفاتهم وطباعهم لا تختلف كثيرا، فالظاهرة ليست مصرية بقدر ما هى عالمية وعامة، لكنها أيضا تخلع القلوب، وتثير الكثير من التساؤلات حول حقوق هذه الفئة على الدولة والمجتمع، وحدود المسئولية لرجال الأعمال والشركات الخاصة، والمؤسسات الكبرى عن توفير الرعاية اللازمة لهم، بطريقة آدمية تحافظ على حق الإنسان فى الحياة والكرامة الإنسانية.
الجزء الأكبر من مسئولية رعاية المشردين ومن هم بلا مأوى يقع على وزارة التضامن الاجتماعى، باعتبارها مسئولة بصورة مباشرة عن رعاية هذه الفئة، والحقيقة يتم بذل الكثير من الجهود فى هذا الملف، إلا أن الأمر مازال قاصرا على سياسة رد الفعل دون المبادرة والتخطيط لحملة منظمة تختص فقط بحماية المشردين فى ليالى الشتاء، دون أن يكون الموضوع مجرد تفاعل مع "بوست" على السوشيال ميديا أو صورة فى إحدى الصحف، فهناك مئات الحالات لمشردين لا نعرف عنهم شيئا فى القاهرة الكبرى والمحافظات.
مصر بها آلاف الجمعيات الخاصة بـأنشطة " تنمية المجتمع "، جزء كبير منها حبر على ورق، إلا أن بعضها يعمل وله دور ونشاط حقيقى، وعليهم أن يتحركوا ويقدموا الدعم اللازم، لمن أعياهم برد الشتاء القاسى، الذى لا نقوى على تحمله فى بيوتنا الآمنة بكل غرفها الدافئة وحوائطها الصلبة، فعلينا أن نتحمل المسئولية كاملة تجاه هذه الفئة، التى فقدت العائل والأسرة ونطلق مبادرة مجتمعية ترعاها وزارة التضامن الاجتماعى، لتوفير ملابس شتوية وبطاطين للمشردين ومن هم بلا مأوى فى الشوارع كجزء من المسئولية المجتمعية لنا جميعا، وعلى كل من يستطيع تقديم المساعدة أو يد العون أن يسارع ويتحرك.
منذ أكثر من 20 عاما كانت المدارس فى مختلف أنحاء الجمهورية تستقبل ما يعرف بـ"معونة الشتاء"، وهى عبارة عن أوراق صغيرة بقيمة ربع ونصف جنيه، كان يدفعها التلاميذ من مصروفهم الشخصى، من أجل رعاية المحتاجين وتقديم الدعم لهم فى الشتاء، تحت إشراف الشئون الاجتماعية أو ما يعرف اليوم بوزارة التضامن الاجتماعى، وهذه المعونة كانت لها العديد من الجوانب الإيجابية والإنسانية، أولها تشجيع وتحفيز التلاميذ والنشء على ثقافة التطوع ومساعدة الآخر والمسارعة فى عمل الخير، بالإضافة إلى خلق موارد حقيقية للحكومة، يمكن التحرك من خلالها لدعم الفئات الفقيرة فى الشتاء، خاصة أن أعداد المدارس فى مصر يصل إلى 60 ألف مدرسة، بها ما يقرب من 30 مليون طالب.
لا أعرف إن كانت معونة الشتاء يتم تحصيلها الآن أم لا، وأظنها توقفت، وإن حدث ذلك فيجب أن يتم استعادتها مرة أخرى، باعتبارها أحد أهم أدوات الدعم الاجتماعى للفئات الفقيرة والمهمشة، وبطبيعة الحال لن تؤثر على ميزانية الأسرة أو تشكل عبئا على الطالب، فبحسبة بسيطة لو نجحنا فى جمع 2 جنيه فقط من كل طالب ستكون الحصيلة 60 مليون جنيه، وهو مبلغ يكفى لشراء مليون بطانية، تكفى حاجة الفقراء والمحتاجين والمشردين وأطفال الشوارع، دون أن نبحث عن موارد إضافية أو نكلف خزانة الدولة شيء.