مثلما حدث مع الفيديو المفبرك المنسوب للرئيس الإيطالى, هناك تقارير يومية مفبركة، بعضها فى إطار التلاعب أو الشقاوة أو التسويق، من خلال إسباغ نوع من التشويق والسرية، كتوابل. ما نقصده الأخبار المصنوعة بقصد وتسبب بالفعل غضبا أو ارتباكا أو تضاعف الغضب فى قضية ما.. وهى أخبار يمكن للشخص الطبيعى اكتشافها لو امتلك القدرة على طرح بعض الأسئلة. لكنها تمر لغياب السؤال أو رغبة البعض فى التصديق.
و يبدى البعض دهشته من سهولة وقوع الناس ضحايا للأخبار المضروبة والمفبركة. بينما هؤلاء أنفسهم يشاركون فى ترويجها، واستعمالها. خاصة مع سهولة بث فيديوهات وتقارير على مواقع مجهولة، ينشرها بعض المواقع الإخبارية وتمنحها شرعية، فيما يعرف بالأخبار المغسولة.
البعض يعرف أن مثل هذه التقارير مزيف لكنه يتوافق مع مايريده. فيصدقه ويبنى عليه تحليلات، وعندما يكتشف أنه خاطئ، يسعى للتلاعب أو لنفى النفى. وضربنا مثلا بفيديو الرئيس الإيطالى. مثلا بعد مقتل بائع شاى على يد أمين شرطة، انتشرت صورة لتصريح دفن للقتيل خال من سبب الوفاة، وبنى البعض تحليلات بأن وزارة الصحة تتواطأ مع الداخلية، ولم يسأل من روجوا المستند عن كون تقرير الطب الشرعى الذى يثبت القتل، وبناء عليه وجهت النيابة اتهامها لأمين الشرطة بالقتل العمد. وبالرغم من أن تصريح الدفن ليس مستند تحقيق وجد مساحات للانتشار.
الأمر نفسه تعلق بشائعات عن مواجهات عنيفة مع المتظاهرين يوم الاثنين، الخبر بالرغم من ضعفه وغياب مصدره، أصبح مجالا لتحاليل. وبدأت ردود الفعل والتحليلات، وبالرغم من تكذيب الشائعة رسميا، عاد المحللون ليتعاملوا مع النفى على أنه إثبات، ويتهمون الجهات العميقة بتسريب الخبر ونفيه كنوع من التلاعب. ولا يجد هؤلاء مشكلة فى تبنى نظرية المؤامرة مع الجهات الأمنية، واستبعادها مع أى جهات أخرى.
وهذه الظاهرة ليست لدينا وحدنا، لكنها تتضخم مع غياب المعلومات، وكوننا فى حالة «مبالغ فيها»، مع تضاعف أعداد المحللين وماكينات البرهنة. واللافت أن عددا كبيرا خبراء التحاليل يتفرغون لإطلاق نظريات عن الإعلام والمهنية، يركنون نظرياتهم جانبا وهم يستهلكون كميات من الأخبار والتقارير المفبركة، طالما تتماشى مع رغباتهم أو مصالحهم. وهؤلاء يقدسون أى تقرير أجنبى مهما بدا خاليا من المصادر أو المنطق، يسارعون بتسفيه والتلاعب فى معانى وعناوين التقارير المحلية. ويرتكبون الأخطاء طالما كانت تتماشى مع رغباتهم.
الإعلام والتأثير فى الرأى العام عملية معقدة وصعبة، وخليط من علم وتخابر وتلاعب ويحتاج إلى درجات من الوعى قد لا تتوفر للكثيرين، وهو ما يمكن تسميته «التغفيل الافتراضى، وهو شعار الكثير من شركات الإعلان والعلاقات العامة، التى تمارس الحروب المعلوماتية، وترى أن الرهان ليس على عملاء، لكن على المغفل الإلكترونى الذى يندفع بالحماس ويفتقد إلى العمق ويريد أن يحتل مساحة من الجدل العام.