فى حوار الرئيس السيسى مع 24 مثقفا طلب منهم تشكيل مجموعات عمل لبحث عدد من القضايا، والتوصل إلى توصيات محددة تعرض عليه خلال شهر، ما يعنى إمكانية تكرار وربما دورية هذه الحوارات. وهذا ما التقطه المثقفون وراهنوا عليه، حيث شكلوا ثلاث مجموعات عمل لمناقشة مجموعة مهمة من القضايا، وكتابة توصيات بشأنها، لكن أتصور أن المهمة تتجاوز قدرات هؤلاء المثقفين، ومن الصعب إنجازها فى شهر واحد، حتى وإن جرت الاستعانة بخبراء فى الاقتصاد والاجتماع. وفى تقديرى أن حوار الرئيس مع المثقفين، حتى بافتراض الحفاظ على دورية انعقاده، لا يفى بالمطلوب لمصر فى هذه المرحلة الصعبة، فهو حوار بلا أجندة محددة، أو آلية لتنظيم النقاش، كما أن المشاركين فى الحوار لا يمثلون كل المثقفين، حيث لم يظهر بينهم شباب أو مثقفون فى منتصف العمر، وكل المشاركين- باستثناء شخصين- فوق سن التقاعد، كما أن بعضهم مشاركون دائمون على طاولة حوار الرئيس مبارك، ثم الرئيس مرسى مع المثقفين!
لا شك أن حوار الرئيس مع المثقفين يثير إشكاليات العلاقة بين السلطة والمثقفين، وربما يقود، وكما هو الحال فى تجارب عربية عديدة، إلى توظيف السلطة للمثقفين، أو الدفع بعدد محدود منهم فى السلطة كى يعملوا لصالحها فيما يوصف بـ«ظاهرة المثقف فى السلطة»، والتى عرفتها مصر فى عصر محمد على، عندما كان الطهطاوى واحدا من مثقفى السلطة أو رجال الباشا، الذى انقلب عليه ونفاه إلى السودان!، وكان هيكل امتدادا للطهطاوى، حيث عمل فى السلطة مع عبدالناصر ثم السادات، لكن الأخير أبعده عنها، واتصل هذا التقليد المصرى إلى مبارك، حيث اختار أسامة الباز ومصطفى الفقى إلى جانبه واستفاد منهما فى بداية سنوات حكمه، لكنه أبعد الفقى وهمش الباز فى سنوات حكمه الأخيرة.
قناعتى أن مشاكل مصر والتحديات المحيطة بها تتطلب حوارًا مجتمعيًا عامًا، تشارك فيه كل فئات الشعب، من خلال آليات محددة لاختيار أو انتخاب ممثلين عن كل النقابات والأحزاب والفئات الاجتماعية فى مصر، وبحيث يتم الاتفاق أولا: على أجندة بموضوعات هذا الحوار، وثانيًا: على كتابة وثيقة يشارك الجميع فى صياغتها، ويتوافقون على بنودها وأولوياتها خلال السنوات القادمة وحتى 2030، بحيث تكون ملزمة لأى رئيس أو حكومة، وثالثا: الاتفاق على آليات للعمل والمتابعة والتقييم.
والحقيقة أن هذا الحوار المجتمعى سيكون فرصة تاريخية لإنهاء الاستقطاب والانقسام الذى يعانى منه المجتمع والنخبة، خاصة وأنه سيتخذ طابعًا مؤسسيًا وعلنيًا، حيث يشترط أن تُبَث جلساته وسائل الإعلام التقليدية والجديدة ووسائل التواصل الاجتماعى، كى يتابعه ويشارك فيه كل المواطنين. إن مثل هذا الحوار المجتمعى قد يستغرق عدة أسابيع، لكنه كفيل بالتوصل إلى توافقات بشأن خارطة المستقبل، وهوية الدولة السياسية والاقتصادية وتوجهاتها، والحقوق والواجبات والأعباء الاقتصادية والاجتماعية التى يجب أن يتحملها الجميع للنهوض بمصر، وذلك عوضًا عن الكلام المرسل الذى تطلقه الحكومة عن حلول قاسية تتعلق بخفض الدعم وضرورة تحمل آثار الإصلاح الاقتصادى.
من هنا أعتقد أن دور المثقفين والكتاب ليس هو الحوار مع الرئيس وتشكيل مجموعات عمل وكتابة توصيات فى ملفات صعبة كالعدالة الاجتماعية، والتى تتطلب مشاركة ممثلين عن كل الطبقات والفئات الاجتماعية. وأتخيل أن المثقفين سواء الذين شاركوا فى حوار الرئيس أو غيرهم، لم يفكروا فى الحديث باسم الشعب أو ادعاء الحكمة والقدرة على تمثيل كل الفئات وطرح حلول لكل مشكلات مصر، ومن ثم أتصور أن دور المثقفين المصريين يجب أن يركز على الدعوة للحوار المجتمعى، وطرح أفكار وصيغ لكيفية إجراء هذا الحوار وضمان نجاحه، وكذلك طرح رؤى استراتيجية عامة وأفكار للمستقبل، ومناقشة خطط وتصورات إصلاح الواقع، من دون التخلى عن المنهج النقدى، مع الدفاع المستمر عن الحريات، والعمل باستمرار وبجدية من أجل تحقيق تحول ديمقراطى وتنمية وعدالة اجتماعية.