للحياة وجوه وطرائق كثيرة لا يمكن اختزالها فى قالب واحد، فيها المضيء وفيها المظلم، الشجون والسعادة، الأفراح كثيرة والمصاعب أكثر، هكذا تكون الحياة.
مؤخرًا شاهدت فيلم «الإيقاظ» أو «الاستيقاظ» للنجمين روبن ويليامز وروبرت دى نيرو، ورغم أنها ليست المرة الأولى التى أشاهد فيها الفيلم، ومرور نحو 3 عقود على عرضه، يبقى واحدًا من أهم الأفلام التى تقدم نظرة مغايرة للحياة، ففضلًا عن الأداء المبهر من طاقم العمل، وحالة الشجن والحب الممتلئة بها أحداث الفيلم، فإنه يحمل رسالة مهمة مفادها أن العلاج ليس بالأدوية الكيميائية فقط، لكن الأهم أن نداوى الروح والقلب والعقل معًا.
الفيلم من إنتاج عام 1990، ويدور حول الدكتور «ساير» روبن ويليامز، الذى يتقدم لوظيفة طبيب فى مستشفى أمراض عصبية، كان قبلها يعمل باحثاً فى معمل مختص بالديدان، ليعالج مرضى يعانون من التهابات المخ التى تجعلهم يرقدون دون حراك لعشرات السنين، إلى أن تأتيه فكرة استخدام مركب كيميائى «ال دوبا»، ويجربه على المريض «ليونارد لوى» روبرت دى نيرو، ليستيقظ الأخير من الرقاد الطويل، ومن بعده باقى المرضى وتنجح التجربة، يحاول المريض الخروج من المشفى فتمنعه الإدارة لتظهر الأعراض الجانبية للدواء على هيئة تشنجات وتعود الغيبوبة ثانية.
خلص الفيلم المقتبس من أحداث حقيقية لطبيب أمريكي، إلى أن النظرة الأحادية للحياة لا تجلب النجاح، فالحياة صاحبة أوجه لابد أن نعيشها جميعًا، العمل والصداقة واللهو والأسرة، كما قال روبن ويليامز خلال الفيلم، كلها أشكال لا يمكن إغفالها، والحب والعلاقات الحميمية حالات لا تستقيم الحياة بدونها، ولا يستقيم الإنسان إلا عندما يجد شخصًا آخر يولى إليه قلبه وأنظاره، والروح لا تعرف مستقرًا لها إلا فى وجود هذا الغامض العنيف المسمى «العشق».
الحياة لا تعترف بالجمود فى التعامل معها، كل الأمور حتى لو بدت تافهة هى نافذة للروح ووسيلة للعيش، الحب واللهو والصداقة والجنون كلها أمور يحتاجها الإنسان، أما التحفظ فى التعامل فهو الموت نفسه، نعم هناك حياة عملية وتجارب علمية، لكن هناك أيضا علاقات حميمية لابد من النظر إليها كى تكتمل الأركان.
الفيلم حالة إنسانية مليئة بالمشاعر، حملت دورسًا حياتية، وأظهر صورًا مغايرة للحياة من قلب مستشفى لمصابى الشلل الدماغى الساكنين بلا تحرك، لكن رسائله مليئة بالحيوية، فأن يعيش الإنسان ولو قليلًا أفضل من يغيب أبدًا. فعودة «ليونارد لوى» روبرت دى نيرو، غيرت شكل الحياة داخل المصحة، الأطباء أصبحوا أكثر ودًا وعطفًا مع المرضى، المصابون بالشلل الدماغى أصبحوا أكثر شغفًا للعودة، الدكتور «ساير» نفسه ترك جموده وأعطى لنفسه فرصه كى يجرب الحب والحياة، ويترك عالمه الساكن وينطلق نحو عالم أكثر رحابة وحياة.
فى النهاية الفيلم يحمل نظرة المتزمتين فى الحياة، وأراد أن يعبر أنها لا تستقيم إلا بالعمل وباللعب، والاتزان والمرح وبالحزن وبالسعادة معا، وأنها لن تكتمل أبدا إذا أغفلنا نافذة الروح وهى «الحب».