كيف للشيطان الرجيم أن يعرف أرواحنا المتعبة الطامعة، ويعرف طرق الدخول إليها، والاستيلاء على مفاتيحها، وأن يوسوس لها بشره، وفى النهاية يدمرها شر مدمر؟ كثيرة هى الحكايات التى تنقل لنا هذه التصورات والتاريخ حافل بها، لكن «قصة يهوذا الإسخريوطى والسيد المسيح» معبرة بشكل كامل عن هذا الأمر.
كان يهوذا محبًا للمال، وطامعًا فى مركز كبير حين يصير المسيح ملكًا، لكن حديث المسيح عن صليبه خيب آماله، وربما فهم أن ملكوت المسيح سيكون روحيًا وهذا لن يفيد أطماعه بشىء، بل هو سمع أن تلاميذه عليهم أن يحتملوا الإهانات، وهذا لا يتفق مع آماله فى العظمة والغنى، ومن أجل تناقض ما يتمناه مع ما يرجوه عيسى لم يتردد لحظة فى بيع المسيح لأعدائه.
كانت خيوط المؤامرة قد بدأت فى يوم الأربعاء ليومين قبل عيد الفصح، لم يخرج المسيح للقدس وغالبًا قضى اليوم فى بيت عنيا، وبينما كان هو يعبد الله ويتقرب إليه وتلاميذه حوله يسمعون، كان رجال السلطات الدينية قد اجتمعوا لتدبر قتله، لكنهم قالوا «ليس فى العيد لئلا يكون شغب فى الشعب».
لكن الخيانة تأتى دائما من غير المتوقع، فتلاميذ المسيح وحواريوه لا يتصور أحد أن يكون فيهم ضعيف الإيمان الذى يبيع معلمه، لكن «يهوذا» فعلها وذهب إلى رؤساء الكهنة، وقال: «ماذا تريدون أن تعطونى وأنا أسلمه إليكم»، فجعلوا له ثلاثين من الفضة، ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه».
يريد أن يسلم أستاذه ليقتله أهل الضلال، وكعادة الأغبياء يبيع روحه للشيطان بثمن بخس، فالثلاثون من الفضة التى حددها اليهود هى ثمن شراء العبد، حسب القانون، وبهذا يكون السيد المسيح قد تم بيعه كـ«عبد».
وبهذا يكون «يهوذا» المادى لم يفهم رسالة «عيسى» الروحانية ولم يستوعب أبعادها، فاللص الكامن فى قلبه انتصر عليه، وفى النهاية ألقاه فى العذاب النفسى الكبير.
وفى مصر يسمى هذا اليوم بـ«أربعاء أيوب» وهو احتفال بشفاء نبى الله أيوب الذى ابتلاه الله سبحانه وتعالى فى صحته وماله وولده وصبر على البلاء، فلما اختبر الله بلاءه أكرمه ورد عليه أكثر مما كان له، وفى القرى التى تقع على ضفتى نهر النيل، يحتفل الناس بذكرى «شفاء سيدنا أيوب» عليه السلام، وذلك عن طريق الاغتسال فى النيل باستخدام نبات «الغبيرة» الذى يكون دائما موجودا على الحافة بين اليابسة والماء، وهو نبات شوكى قاس يحتملون قسوته، لأنها تحمل الشفاء للأجساد.. فقد احتمله جسد أيوب المريض.