لا توجد حرب تدوم إلى الأبد إلا حرب فلسطين رغم أن الأطراف كثيرًا ما تعود إلى طاولة التفاوض. كان مرسى واهمًا أنه على مشارف إنهاء هذه الحرب بتوفير مناطق إيواء داخل أراضى سيناء وتسليمها لحماس كبديل للزحف الغادر للمستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى. لكن ومع سقوط حزب الإخوان المسلمين فى مصر وما تبعه من الكشف عن عدد من الوثائق السرية منها وثيقة وعود للحكومة الأمريكية تتضمن الحل لبعض من هذا النزاع، إنها وثيقة التخابر وتَنْظُر الآن المحكمة المصرية قضية مماثلة لها مع قطر!
الوثيقة نصت على التنازل عن 40٪ من أراضى سيناء ثم تسليمها للفلسطينيين التابعين لأعضاء حركة حماس مقابل ٨ مليارات دولار حصلت عليها الجماعة من أوباما ووقع عليها مرسى الرئيس المعزول وخيرت الشاطر ومستشار المعزول للشئون الخارجية عصام الحداد.
هذه الوثيقة التى نجحت الأجهزة فى الحصول عليها تمهيدًا للكشف عن تفاصيلها بعد تحقيق تحدث عنه النائب العام هشام بركات قبل اغتياله ظلت إلى وقت قريب أحد أسباب التوتر بين علاقة مصر بأمريكا ومصر مع حماس حتى قام وزير خارجية أمريكا بزيارة القاهرة أغسطس ٢٠١٥ ثم زيارة مستشارة مطلع هذا العام، وبعدها زيارة كيرى مرة اخرى إلا أن البيت الأبيض ظل إلى وقت قريب يُصدَّق وعود الإخوان وأن أرض سيناء يمكن أن تكون وطنًا لغير المصريين حتى كادت أن تتحطم علاقات مصر لكن حماس لم تصدق وعود الأرض!
ماذا حدث عند زيارة وفد حماس لمصر مؤخرًا، فالمعروف أنه لم يكن فتح معبر رفح الملف الوحيد الذى يتعلق بعلاقتنا مع حماس وإنما كانت مناطق الإيواء المُنتظرة داخل أراضى سيناء هى أيضًا أحد هذه الملفات التى وضعتها جماعة الإخوان عقبة للتفاهم مع حماس وكان لابد من إيجاد مخرج للورطة التى وضع الإسلام السياسى بها الجميع
وسرعان ما توافق الطرفان فى اللقاء وسرعان ما باعت حماس الأطراف الاولى ونزعت شعارات الاخوان وصورهم من داخل غزه واستبدلتها بيافطات كُتب عليها "المقاومة لا توجه سلاحها إلى الخارج البوصلة نحو تحرير فلسطين"!
نعم البوصلة كانت تتجه نحو من يمتلك المصداقية والثقة لعقد التوافق الحقيقى بين الأطراف لا الصفقات الوهمية، فلا فائدة من المراوغة والخديعة والالتزام بتعاقدات لا تمتُ للواقع بصلة ولأن الحرب تحكمها قواعد الأخلاق فليخرج الجميع بشعور المكسب فى علاقات الحرب الباردة ومهارة استخدام العقل فى النزاع لتأمين حدود الأرض أولاً قبل أن يمتلكها الإرهاب فلا تظل سيناء مع مصر أو تذهب إلى حماس.
ظلت مصر طوال الفترة الماضية تشتكى من سوء الأوضاع الأمنية على حدود غزة بسبب تنقُل الجماعات المتشددة النشطة عبر الحدود من وإلى غزة، أوقات عصيبة أُغلق فيها المعبر وما زال هناك أموال نخسرها لإزالة الإنفاق لاستغلال الجماعات لها ما أدى إلى معاناة القطاع كما شهدنا استشهاد أعداد كبيرة من جنودنا بسبب اختراق الحدود أيضًا.
انتصر الذكاء لموازنة المصالح وليست صفقات الخديعة، فكيف لمن ذاق مرارة صفقات الخديعة من وعود الأرض مقابل السلام مع إسرائيل يرتضى لمصر مساومتها على الأرض مقابل السلام.
وأعلنت حماس رغبتها بصراحة فى طى صفحة الخلاف وهو الأمر الذى حرصت عليه الفترة الماضية فى إرسال رسائل تطمئن مصر أنها تنبذ العنف والإرهاب عبر نشر قوات تابعة لهم تمركزت على طول الحدود الفاصلة بين الحدود الجنوبية لقطاع غزة وأراضينا، حماس تريد التأكيد للمسئولين المصريين أنها بدأت عمليًا بتطبيق ما عليها من التزامات دون مساومة وهمية فهى تُدرك أنها (الفرصة الأخيرة) مع مصر بعدما وقعت بالسابق فى فخ الإخوان ويبدو أنها تعلمت الدرس.
إن الحكمة فى اختيار التوقيت لحل أى نزاع ووضع الموازين الدقيقة أحد شروط إدارة النزاع لضمان النصر ولتُدرك أمريكا من الآن أن مصر قوة كبيرة يمكن أن يوثق بها ولتطوى صفحة الإخوان.