أحياناً كثيرة نقسو على الشرطة حتى لو وقع بعض الظلم على أفرادها
نعم ننتقد تجاوزات الشرطة، وسلوكيات عدد من أفرادها، ونسعى دائمًا إلى أن يتطور الأداء الشرطى فى مصر، ويرتقى لمثيله فى العالم، خاصة بعد ثورتين كان المطلب بالكرامة الإنسانية واضحًا وبارزًا فيهما. نعم هناك أخطاء يرتكبها أفراد منتسبون لجهاز الشرطة فى مصر، وهناك عقاب فورى لم يحدث من قبل وفى فترات سابقة، وهناك صرامة فى الجزاء الفورى، والوعود بتحسين الأداء وحسن معاملة المواطنين فى أقسام الشرطة والمرور نسمعها بين الحين والآخر، والقيادة السياسية مهتمة بالقضية، وتطالب دائمًا بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان فى التعامل مع المواطنين، وتحسين العلاقة بين الشرطة والشعب.
أحيانًا كثيرة نقسو على الشرطة، حتى لو وقع بعض الظلم على أفرادها وكانوا هم الضحايا، ودائمًا هم فى قفص الاتهام قبل أن نستمع إلى دفاعهم فى الاتهامات الموجهة إليهم بحكم التربص التاريخى بالشرطة فى مصر، واعتبارها المتهمة دائمًا فى أى حدث يكون أحد المواطنين طرفًا فيه. لكن هل نقبل بهذا المنطق على طول الخط، واعتباره من المسلمات فى تاريخ العلاقة بين رجال الشرطة وأفراد الشعب؟، هل المفترِى دائمًا هو فرد الأمن أو الضابط فى تعامله مع المواطن، حتى لو كان فى حالة دفاع عن النفس؟
فى الفترة الأخيرة حدثت مخالفات من أمناء شرطة أو ضباط، وكان الردع فيها حاسمًا وفوريًا بالوقف عن العمل، أو الإحالة للتقاعد، أو التحقيقات والتحويل للنيابة، يعنى أن التجاوزات والمخالفات تتم مواجهتها بالقانون والردع. وليس معنى وقوع حادث أحد أطرافه رجل شرطة، أن يكون المتهم الأول وبشكل مباشر الشرطة دون إجراء تحقيقات عادلة تبين المجنى والمجنى عليه، وعلينا أن نعترف بأن هيبة الشرطة لم تعد كما كانت فى السابق، والتجرؤ على رجال الأمن من بعض الفئات فى المجتمع أصبح واضحًا، ويصل إلى حد الاعتداء عليهم. وهذا ما حصل فى الحادثة الأخيرة المتهم فيها أحد الضباط بإطلاق النار على سائق ميكروباص بالنزهة، فالصورة المتداولة لضابط الشرطة وهو مصاب بإصابات بالغة فى وجهه، وباقى أنحاء جسده، تؤكد أنه تعرض للضرب المبرح من السائقين، وأنه- كما قال الضابط نفسه- تعرض للسحل على أيدى المواطنين الذين تجمهروا. أنا هنا أدافع عن مبدأ، وعن إنسان فى النهاية، سواء كان رجل شرطة أو مواطنًا عاديًا، فالأصل هو إظهار الحقيقة، وتطبيق العدالة الناجزة. وزارة الداخلية خافت، لم تنتظر ثورة الـ«فيس»، وأحالت النقيب أحمد سمير نصار، الضابط بالإدارة العامة للمعلومات والتوثيق، إلى النيابة العامة، وإيقافه عن العمل، تمهيدًا لإحالته للاحتياط حتى قبل ظهور نتائج التحقيقات والمحاكمة، وإدانة الضابط أو براءته.
الضابط قام بإطلاق النار على السائق بعد حدوث مشادة كلامية، تطورت إلى مشاجرة وتبادل شتائم بسبب إعاقة السائق الطريق، تدخل على أثرها مجموعة من السائقين لمناصرة زميلهم، وقاموا بالتعدى على الضابط وإحداث إصابات به، مما دعاه إلى استخدام سلاحه وإطلاق العيار النارى، هذا ما قاله الضابط فى محضر التحقيقات، ومع ذلك سارعت وزارة الداخلية تحت ضغط جنرالات الـ«فيس بوك» وصراخهم باتخاذ أقسى الإجراءات ضده، ولم تنتظر التحقيقات. هنا يبدو السؤال الطبيعى: وأين حق الضابط الذى تم سحله وضربه «علقة ساخنة» من سائقى الميكروباص؟، أليس هذا هو حق الشرطة والداخلية أيضًا، أم أنها متنازلة عن الحقوق لإرضاء الـ«فيس بوك»، والخوف من بلطجة سائقى الميكروباص التى نعرفها جميعًا فى شوارع المحروسة؟
ليس هذا دفاعًا مجردًا، إنما بحث عن الحقوق والحقائق حتى لا يصبح الأمن الداخلى عرضة للاتهامات المسبقة دائمًا، حتى لو تعرض أفراده للضرب والسحل والإهانة، وتضيع الهيبة التى نحاول إعادتها وبسطها مرة أخرى بقوة القانون وحزمه.