نتذكر جميعا فيلم "عمارة يعقوبيان" عندما صرخ زكى الدسوقى، الذى كان يقدم شخصيته الفنان الكبير عادل إمام، والذى وكان يشعر بتضاؤل مكانته بعد كم كبير من التغيرات التى حدثت فى الشارع المصرى فقال "أنا أقدم واحد فى العمارة"، ومن الواضح أن هذه الجملة تتجاوز فكرة وردت فى فيلم فهى "جملة نفسية" قديمة منذ أن اختلف رجلان على من منهما سكن الكهف أولا فقال أحدهما "أنا أقدم واحد" وقام الآخر بمحاولة البحث عن "آثار" تؤكد أنه جاء قبل الرجل الأول، وعندما لم يجد "زوّر" بعض القطع الأثرية.
أقول ذلك بمناسبة عودة نوع من الصراع أساسه يقوم على فكرة "من صاحب أقدم حضارة" و"من صاحب أقدم مدينة" و"من صاحب أول أثر" و"من صاحب أول فكرة" وهؤلاء يريدون بصورة أو بأخرى مواجهة الحضارة المصرية القديمة، لا أعرف كيف يفكرون فى ذلك؟ فالتاريخ ورجاله ودارسو الحضارات يعرفون أن لا شيء يصلح أن يمر بعيدا عن مصر، بمعنى، أن تاريخ مصر فى بدء الحياة لا ينافسه سوى دراسات جادة تؤكد أن السومريين فى بلاد العراق كانوا منافسين أقوياء للمصريين، ويتحدث العلماء فى ثلاثمائة سنة، هى التى يختلفون فيها، لكن مؤخرا، صرنا نرى دولا كثيرة تتحدث فى أنها صاحبة أقدم مدينة، أو أن حضارتها تتجاوز آلاف السنين التى نعرفها، ويستعينون فى ذلك بأعداء معروفين للمنطقة.
وفى رأيي أن هذه الدول تريد أن تغير فى التاريخ وهى تعرف أن ذلك لن يتم بسهولة، لكن يكفيها أن تثار هذه المشكلة، ويكفيها أن يقارن تاريخها بتاريخ مصر، هى تريد هذه الإثارة ويكفيها الضجيج الذى ينتشر، وهى تعودت أن تعيش على الضجيج.
بالطبع مصر لن تشغل نفسها بالدخول فى مقارنات تاريخية مع أحد، لكن نحن المصريين من واجبنا كلما رأينا خللا أن نتحدث فى هذه الشأن حتى يعرف الذين لا يخجلون أنهم ليسوا أول من سكنوا العمارة لأن الذين بنوها هم أول الساكنين فيها.