الكلمة الحرة هى سند من لا سند له
لم يدر أكثر الكتَّابين والشتامين، الذين سهروا الليالى الماضية يخططون ويجهزون لوأد انتفاضة الصحفيين ضد انتهاكات الداخلية، أنهم حينما سبوا الصحافة والصحفيين بأقبح الشتائم لم يسبوا الصحفيين فحسب، وإنما سبوا أيضا عشرات الملايين من أبناء الشعب المصرى الذى يتابع هذه الصحافة، ويشاهد رجالها فى التليفزيونات، ويقرأ لكتابها فى الصحف، ويتابع العالم وتطوراته عبر وسائلها المتعددة، لكنه الجنون الذى يقود حفنة من الفتوات أصحاب العضلات المنفوخة بالهواء الفارغ، فيثمر أول ما يثمر عن تفريغ هذه العضلات من هوائها فتصبح هى والعدم سواء ويتحول الفتوات إلى فتات.
كانت الخطة أن يتم تشويه الصحافة والصحفيين، بكل ما أوتوا من قوة، لا لشىء إلا لأننا أبينا أن نغرق فى مستنقع الاستضعاف، ورسمنا لأنفسنا طريقًا لا يتقاطع مع طريق الخنوع، ورفضنا فى معركة «القلم والبيادة» أن نأكل لقمتنا مدماة بنزيف المذلة.
ظن المنتفخون الذين هبطوا علينا كالكابوس أن الاتفاق على بعض الثوابت الوطنية فى مرحلة حرجة من مراحل الوطن عقد استعباد، ولهذا هالتهم الصدمة واعترتهم الدهشة حينما فوجئوا بمن يقول «لا»، فاختاروا طريق القمع، غير مدركين أن قمع الصحافة هو الوصفة السحرية لقتل مصر، فلا يفعل القتلة غير هذا، يخنقون الضحايا فيمنعون الدماء من الوصول إلى القلب، والأكسجين من الوصول إلى المخ، فيضطرب القلب، ويعطب المخ، ويتقرح الجسد مصابًا بالجلطات.
لن أصيح كما صاح أحمد عرابى قائلا: «لقد خلقنا الله أحرارا»، لكننى سأهمس للجميع بأن حرية الصحافة هى حرية للمجتمع كله، فالكلمة الحرة هى سند من لا سند له، هى الطلقة التى تصدها الحواجز، هى الدعامة التى تقوّم ما اعوج من بناء المجتمع، والمظلة التى يجد تحتها كل طالب للظل طلبه، ويكفى الصحافة فخرًا أن الداخلية حينما أرادت أن تدافع عن «الداخلية» أرسلت بيانا «للصحافة» فنشرته «الصحافة» برغم أنه ضد «الصحافة».
هنا دافعنا عن هوية مصر، وهنا قاتلنا من أجل رفعتها ونمائها، هنا وجد كل شاكٍ مكانًا لشكواه، ووجد كل صاحب رأى منبرًا ليعبر منه عن أحلامه وتطلعاته وهمومه، هنا رفعنا صور الشهداء، وهنا عرضنا صور المجرمين، هنا ناضلنا ضد عصور التخلف، وهنا حلمنا بمستقبل أبهى، هنا فرحنا بالانتصار، وهنا حللنا أسباب الهزائم، وهنا نظرنا فى المرآة فأصلحنا ما يمكن إصلاحه، وهنا خضنا المعارك غير آبهين بتهديد ولا مرتجفين لوعيد.
العمر واحد والرب واحد والأرزاق على الله، ونحن لم نطلب كثيرًا ولا قليلاً، فقط طلبنا أن نمارس عملنا بحرية، فالصحافة بلا حرية مثل جسد بلا رأس، مثل عين بلا بصر، مثل قلب بلا حراك، «لا فى إيدى سيف ولا تحت منى فرس»، لكننا برغم هذا أقوياء، تأسرنا دمعة مظلوم ولا ترهبنا فوهة بركان، وإن كان لنا مجد حقيقى، فمنبعه الأول والأخير هو أنت، ومصبه الأخير هو أنت، وأنت الجائزة إن حسمنا معركة الحرية، وأنت الغنيمة إن شربنا ماء المهانة.