انفعل أحد الصحفيين الذى عانى كثيرا لكى يدخل نقابته لحضور اجتماع الجمعية العمومية 4 مايو، قائلا لأحد الضباط:"الناس اللى انتوا جايبينهم معاكم بيشتمونى ومش عارف أخش النقابة منهم".
كان ضابطا مؤدبا على غير العادة، فقال الضابط لمجموعة من "المواطنين الشرفاء":"ابعدوا يابنى عننا لحسن بيقولوا اننا اللى جايبينكم"، فرد أحدهم بتلقائية: "أمال مين اللى جايبنا ياباشا!".
كان هذا أكثر المشاهد تأدبا فى احتكاكات "المواطنين الشرفاء" بالصحفيين أثناء دخول نقابتهم ، فهناك من الصحفيين من تم الاعتداء عليه بالضرب من هؤلاء، تحت سمع وبصر الشرطة، التى حاصرت النقابة ، وضيقت على الصحفيين ، فى محاولة منها لـ"تزهيق"، أعداد منهم ، ومنعهم من دخول نقابتهم ، وقد عانى كاتب هذه السطور من شتائم "المواطنين الشرفاء" واعتداءاتهم حتى تمكن من دخول نقابته، ومن كان يحاول الدفاع عن نفسه فى مواجهة سبابهم ، ينوله الاعتداء بالضرب منهم ، ثم القبض عليه من قبل الشرطة .
و"المواطنون الشرفاء"، تجمعات من المتعصبين ، تصاحب الشرطة فى كل مكان ، لا فكر لهم ولا منطق، ففكرهم السب، وأدواتهم الإشارات البذيئة، وإذا دعت الضرورة فاللكمات والضرب، وربما الأسلحة البيضاء والنارية فى بعض الأحيان، ومنطقهم "التخوين" لكل مخالف فى الرأى، هل قلت رأى؟ لا، ليس لديهم رأى، وإنما هم يتهمون كل من يختلف مع أى من السادة الرسميين فى شىء بأنه عميل وخائن، فهم يرون المسئولين آلهة، وأفراد الشعب عبيدا. وقد استعاروا من الإسلاميين أداة "التكفير" لكل معارض أو محتج على الظلم ، وتحولت على يديهم إلى تخوين واتهام بالعمالة .
ومن الملاحظات الكثيرة للزملاء وغير الزملاء وشهادة بعض المواطنين الشرفاء أنفسهم والبلطجية ، يتضح أن بينهم الكثير من المأجورين ، الذين يتم جمعهم من أماكن مختلفة، وتكليفهم برمى البلاء على أى شخص أو مجموعة، تحاول دفع ظلم وزارة الداخلية، الذى عم البلاد والعباد.
ولا يمكن فصل "المواطنين الشرفاء" عن جهاز الشرطة، ففى الغالب لا نرى أحدهم إلا ونجد الآخر، وهم يرتكبون جرائمهم تحت رعاية قوات الأمن، والشرطة المفترض فيها مواجهة الجرائم والقبض على مرتكبيها، لا تقبض على المعتدين من "المواطنين الشرفاء"، وإنما تقبض على من يتم الاعتداء عليه من المحتجين على سلوكيات الداخلية التى اشتهرت بالبلطجة، فأصبح هناك تقاربا نفسيا وروحيا بين أنواع البلطجة المختلفة، البلطجة الرسمية من قبل الشرطة ، والبلطجة غير رسمية بيد "المواطنين الشرفاء" .
استطعت والحمد لله دخول النقابة بعد عناء ، ففوجئت بأن احتشاد الصحفيين فاق أكثر التوقعات تفاؤلا، بل وفاق احتشادهم فى اجتماعهم التاريخى عام 1995، الذى كان احتجاجا على قانون الصحافة.
نعم احتشد الصحفيون بقدهم وقديدهم، فما حدث ليس مجرد حادثة مهينة، فاقتحام قوات الأمن للنقابة، ومحاصرتها من قبل وبعد الاقتحام، تعبير رمزى لما يعانيه الصحفيون، وخاصة الميدانيين، من هوان على يد الشرطة، هذا الهوان الذى يصل إلى حد الاعتداء بالضرب والاعتقال والتعذيب، بل والقتل أحيانا، والأمثلة على ذلك كثيرة.
لكن الصحفيين ليسوا متفردين فى هذا الهوان، فالرمز هنا يمتد ليشمل الكثير من المهنيين، كالمحامين والأطباء، وبقية فئات الشعب، بشكل يومى، فما يمر يوم إلا والداخلية قد ارتكبت "مصيبة" فى حق فرد أو جماعة من الناس، لذلك فإنه على الصحفيين أولا مد جسور التواصل مع كل من يقع تحت ظلم وزير الداخلية، من محامين وأطباء وغيرهم، لكى ينجحوا جميعا فى وقف الطغيان.
منذ ثورة 30 يونيو ونحن نكتشف أن مهنتنا أخطر وأهم وأكثر حساسية وتأثيرا مما كنا نعتقد، فكانت الصحافة أكبر داعم لنزول الشعب فى 30 يونيو، واستكملت الصحافة دورها فى مواجهة الإرهاب الذى انفجر بعد ذلك.
وقد ظن بعض الصحفيين والإعلاميين أنه فى ظل مواجهة الإرهاب يجب الوقوف مع الدولة حتى ضد مواطنيها، وانعكس ذلك على بعض الكتابات والآراء، بل وأحيانا على سياسة تحرير الأخبار.
وقد آن الأوان لاستدراك هذا الخطأ، فالصحفيون الذين تم الاعتداء عليهم أثناء دخول نقابتهم، والذين رأوا كيف يتم حشد المواطنين الشرفاء أمام النقابة لتشويه الصحفيين، يجب أن تكون خبراتهم حاضرة أثناء تغطية الأخبار، ليس فقط فيما يتعلق بانتهاكات الشرطة والمواطنين الشرفاء تجاه الصحفيين، ولكن يجب فضح انتهاكات الشرطة و"المواطنين الشرفاء"، فى كل الأحداث القادمة، سواء مع المحامين أو الأطباء، أو غيرهم من فئات الشعب المختلفة، من أجل هزيمة طغيان وزير الداخلية .