ما الذى يحدث فى تركيا بالضبط؟ وإلام يسعى السلطان العثمانى المزيف رجب طيب أردوغان؟ أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء وصاحب الكلمة العليا فى البلاد يعلن عدم ترشحه فى الانتخابات الاستثنائية لحزب العدالة والتنمية الذى يرأسه، مما يعنى تنحيه تلقائيا عن رئاسة الحكومة، لماذا اتخذ هذا القرار؟ لأن الخلافات المكتومة مع أردوغان صاحب السلطة الرمزية، والذى يريد اغتصاب الحكم واختطاف تركيا لمرحلة جديدة من الحكم الشمولى، قد وصلت إلى نهايتها ولم يعد متاحا بعد عشرين شهرا، قضاها أوغلو فى رئاسة الحكومة أن يحتوى تدخل وتمدد أردوغان داخل أروقة وأجهزة الحكومة.
اللجنة التنفيذية لحزب العدالة والتنمية، الذى يرأسها أحمد داوود أوغلو، أقدمت على خطوة مهينة لأوغلو وقررت بإيعاز من أردوغان طبعا، تقليص صلاحياته الحزبية، ومنها ترشيح رؤساء اللجان الفرعية للحزب فى الأقاليم، وهى الخطوة التى اعتبرها أوغلو صداما مباشرا، وإهانة لا تحتمل، وكان أمامه طريقان، إما أن يستقوى بالمعسكر العربى وأوربا لدعمه ويرفض المؤتمر الاستثنائى للحزب، أو يعلن الانسحاب بهدوء وترك الساحة للسلطان العثمانى المزيف ليأتى بمحلل سياسى على رأس الحزب والحكومة المقبلة حتى يتحول بالنظام البرلمانى فى تركيا الحديثة إلى النظام الرئاسى. اختار أوغلو الخيار الثانى وقرر الانسحاب من المواجهة بخطاب وداعى يتقى شر وغدر أردوغان، أعلن فيه أنه لن ينتقد الرئيس أو عائلته، بينما انطلق أردوغان ليدشن مجموعة قرارات وإعلانات مثيرة للجدل فى الداخل والخارج، منها طبعا، تدشين استفتاء عام على التحول من النظام البرلمانى إلى النظام الرأسمالى، ومنها رفض المطلب الأوروبى بتعديل قانون الإرهاب، وبداية بروباجندا حول حاجة تركيا لزعيم قوى يحافظ على مكانتها الدولية، ويستطيع مواجهة الإرهاب فى الداخل والخارج. أردوغان لم يحاول تعديل الدستور فى البرلمان لعلمه بعدم نجاحه فى الحصول على النسبة المطلوبة، رغم تمتع حزبه بأغلبية ملحوظة، واستبدل بالبرلمان الاستفتاء الشعبى، بعد شحن الناس بالخوف من الأكراد والمهاجرين والإرهاب، وإشعارهم أن الزعيم القوى هو وحده القادر على حماية النمو الاقتصادى مع اعتماد خطاب شعبوى فى التعاطى مع أوروبا، هل ينجح أردوغان فى الانقلاب على النظام البرلمانى والإمساك بكل خيوط السلطة من جديد عبر الاستفتاء الشعبى ؟ الإجابة نعم، ولكن بأغلبية ضعيفة للغاية، لأن مناخ التعبئة والشحن ضد الأقليات، خصوصا الأكراد، وكذا انتهاج سياسات مواجهة مع أوروبا، يرضى قطاعات القوميين والراديكاليين فى تركيا، كما يدفع نسبة ملحوظة من الشباب إلى تأييده، فى ظل تشرذم المعارضة، أو اعتمادها خطابا مثاليا لا يصمد أمام شعبوية وديماجوجية أردوغان.
الغريب أن أوروبا تراقب مساعى أردوغان نحو الاستبداد ولا تبدى أى رد فعل، لأن الخوف الأوروبى من المهاجرين العرب يفوق الاهتمام بأية قضية أخرى، والحكومات الأوروبية مستعدة لابتلاع إعلان أردوغان الملكية وتنصيب نفسه ملكا متوجا مدى الحياة، ودفع رشوة مالية كبيرة، مقابل أن يحتوى المهاجرين العرب، وأن يبقيهم على الأراضى التركية.
نعم سينجح أردوغان فى الهيمنة والاستبداد واحتكار السلطات وتقويض المعارضة وتكميم أفواه الكتاب والصحفيين، كما سينجح فى فرض سياسات الخوف والتخويف من الأكراد والأقليات، الأمر الذى قد يدفعه مع رد الفعل الكردى، لاستخدام العنف المفرط والدخول فى حرب مفتوحة مع الأكراد، ليس فى تركيا فقط، ولكن فى العراق وسوريا، لكن هل تنجح تلك السياسات الاستبدادية فى الإبقاء عليه، طويلا فى سدة الحكم، أم إنها نفسها التى ستعجل بسقوطه؟! الإجابة معلومة سلفا من دروس التاريخ القريب والبعيد.