فرص متعددة أتاحتها أزمة فيروس كورونا، وكأن العالم كله كان بانتظار الجائحة ليبدأ فى مراجعة أحواله، وما بدا أنه بديهى وأمر واقع، وبالرغم من وجود ارتباك وتردد بين مؤسسات العلوم والطب حول ماهية الفيروس ومستقبلها، فإن الفيروس نشط غدد البحث ونبه إلى أهمية أن يخصص العالم جزءا من إنفاقه الحربى، على مواجهة أخطار فيروسية وبيولوجية تهدد الجميع، ولا تفرق بين دولة فقيرة نامية وأخرى غنية ومتقدمة، بل إن هناك فرصة للدول النامية الطموحة فى أن تستفيد من الآثار الجانبية للفيروس فى تطوير قدراتها الذاتية، وتحديث قدراتها على استغلال أفضل لعصر المعلومات، وأيضا استغلال الفرصة للدخول فى شراكات الأبحاث حول الفيروس ولقاحاته وعلاجه.
تاريخيا، فإن الكثير من الاكتشافات العلمية والقفزات الكبرى فى الطب والدواء والاتصالات بدأت وسط الحروب أو داخل دهاليز المنشآت العسكرية، وهى اختراعات ذات حدين شرير وطيب، فقد سرعت الحرب العالمية الثانية فى أبحاث الطاقة الذرية، التى أنتجت القنبلة النووية، أتاحت توليد الطاقة النووية والعلاج بالنظائر المشعة.
وكان ارتفاع أعداد المصابين من الجنود فى الحرب العالمية الثانية، وراء الإسراع فى دعم أبحاث البنسلين، أحد أهم الاكتشافات فى القرن العشرين، وبداية ثورة المضادات الحيوية، التى أنقذت مئات الملايين من البشر، الذين كانوا يموتون بالبكتيريا، بدأت أبحاث البنسلين عام 1928 وضاعفت بريطانيا الأبحاث ليظهر عام 1945.
ومن معسكرات الجيش الأمريكى، بدأت لأول مرة فكرة شبكة الإنترنت، ضمن مشروع أربانت عام 1969، لمساعدة الجيش الأمريكى عبر شبكات داخلية، وتطورت بعد ربط المؤسسة الوطنية للعلوم والجامعات الأمريكية، وتطورت الشبكة حتى بدأت فى النمو الانفجارى فى التسعينيات من القرن العشرين.
وهناك أمثلة أخرى لاختراعات واكتشافات علمية ارتبطت بالحرب الباردة وما بعدها، وأخرى ظهرت تحت ضغط الوباء أو المرض، مثل لقاح شلل الأطفال الذى كان يصيب عشرات الآلاف بعاهات مستديمة، حتى اكتشف العالم الأمريكى جوناس سالك أول لقاح ضد شلل الأطفال، وبدأ استخدامه عام 1955، عبارة عن جرعة من فيروس شلل الأطفال «الميت» عن طريق الحقن العضلى، حتى طوره ألبرت سابين ليصبح فى صورة نقط عن طريق الفم، وتم اعتماده رسميا عام 1962.
مثلت اللقاحات والأمصال أحد أهم إنجازات العلم فى حرب البشر ضد الأمراض، ولقاح الجدرى هو أقدم اللقاحات واكتشفه إدوارد جينر عام 1796 عندما لاحظ أن حالبات الأبقار المصابة بجدرى البقر لم تُصب بالجدرى، وأنتج لقاحا من «الليمف البقرى» المجفف بالتجميد، ومن أواخر القرن التاسع حتى أعلن عن اختفاء الجدرى من العالم عام1980.
اللقاح هو أمل البشرية فى حربها ضد فيروس كورونا، وهناك أكثر من 100 جهة علمية عبر العالم أعلنت أنها تحاول التوصل إلى لقاح لفيروس كوفيد 19 المحير، الذى كشف عن ثغرات فى بنيان الطب والعلاج، فى الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وأعاد التذكير بأن الحروب ضد الفيروسات تحتاج إلى عمل بشرى جماعى، وظهر كورونا بعد هجمات فيروسية مختلفة خلال العقدين الأخيرين، مثل أنفلونزا الطيور والخنازير وسارس وميرس، التى ظهرت فى ظل تقدم تكنولوجى وعلمى كبير، ومع هذا يخوضها العلم بالطرق التقليدية والتجريب والملاحظة، مثلما فعل علماء العصور السابقة.