قبل 25 يناير 2011، وبينما كان التبشير بالحراك الفوضوى، ودعوة الدكتور محمد البرادعى، حينها لزيارة مصر، وقيادة الحراك، ولبى الدعوة، وعندما وصل القاهرة، توجه من المطار إلى منطقة إسطبل عنتر، أكثر المناطق العشوائية خطورة، مصطحبا معه عددا من وسائل الإعلام الأجنبية، والعربية، ووقف هناك، يدلى بتصريحات، كيف يعيش المصريون فى هذه العشوائيات، وفى عوز وفقر مدقع، موجها سهام نقده وغضبه للدولة، متمثلا فى نظام مبارك.
وكان قد سبق وصول البرادعى، إنتاج فيلم "حين ميسرة" والذى أظهر الوجه القبيح للعشوائيات، متمثلة فى الفقر والبلطجة ومأوى الخارجين على القانون، وزنا المحارم، فى محاولة سيئة لتقديم صورة مشوهة، ووعى زائف، بأن مصر، تسبح في بحر من العشوائيات فى مختلف المحافظات، وأن مواطنيها، يطحن عظامهم الجوع والفقر.
وما من عمل فنى أجنبى، أو برنامج تليفزيونى، أو تحقيق صحفى، يهدف للهجوم على مصر، إلا ويجد ضالته فى العشوائيات وسكانها، لإطلاق سهام النقد، ومعايرة الدولة المصرية، بورم وأوجاع هذه الأماكن غير الآدمية، والتى ترفض حتى الحيوانات أن تقطنها، ما يثير فى نفوس الشرفاء فى هذا الوطن، الأوجاع، وهم يرون مثل هذه المشاهد فى بلادهم، وأن كل أعداء الوطن فى الداخل والخارج، يوظفونها لتصفية الحسابات، وتشويه وجه البلاد.
ومنذ عام 2014 عندما تقلد الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الأمور، تبنى مبادرة إنسانية جوهرية، مستخدما مصطلحات محددة، وهى مواجهة "الفقر والعوز وانتشال أهالينا من الإقامة في مساكن لا تليق، ونقلهم إلى مناطق تليق وتحترم آدمية المصريين".
وبالفعل بدأ بكل قوة وحسم تنفيذ هذا المشروع الإنسانى، بالتوازى مع مشروعين اجتماعيين إنسانيين آخرين، وهما إخراج الغارمين والغارمات من السجون بعد تسديد ما عليهم من ديون، والقضاء على فيروس "سى".. وبدأ التنفيذ بنقل سكان الدويقة، وغيط العنب في الإسكندرية، وغيرها من المناطق العشوائية في مختلف المحافظات.
منطقة الدويقة التابعة لحى منشأة ناصر، كانت من أخطر المناطق العشوائية، وتعد جرحا غائرا في جسد الإنسانية، وكبرياء المجتمع المصرى، فمن المعروف أن الحى يقطنه قرابة 60 ألف نسمة، العدد الأكبر منهم يقطن الدويقة ويعيشون حياة غير آدمية بالمرة، ويهددهم الموت بفعل الانهيارات الصخرية، وجميعنا نتذكر الحادث الذى أدمى قلوب المصريين فى سبتمبر 2008 عندما شهدت منطقة «الدويقة» مقتل ما يزيد عن 100 شخص وجرح العشرات، فى انهيار كتلة صخرية ضخمة على مجموعة من بيوت المنطقة العشوائية، وكانت حديث الداخل والخارج، وشوهت من وجه المجتمع المصرى بقوة.
وهل ينسى المصريون سكان المقابر، حيث يقيم الأحياء جنبا إلى جنب مع الموتى، في وضع مأساوى لا مثيل له في أي دولة أخرى، فكيف يزاحم الأحياء، الموتى، في مساكنهم؟! لذلك يكتسب مشروع القضاء على العشوائيات أهمية كبرى، ويعد إنجازا اجتماعيا، وحقا من حقوق الإنسان الحقيقية، الخالى من شوائب الشعارات الزائفة، وتجارة الكلام.
رأينا مساكن آدمية، تليق بإقامة الإنسان، وتضم كل الخدمات المتطورة التي تضاهى الأحياء الراقية، في الأسمرات وتل العقارب وغيط العنب، ويثبت الرئيس السيسى أنه رجل أفعال، وليس صاحب شعارات مثل محمد البرادعى وشلته، وأن ما تضمنه فيلم حين ميسرة، يعد من الماضى، ولا أثر له حاليا.