الحوار والتفاوض من دون أى شروط.. الحل الواضح للخروج من الأزمة
بغض النظر عن التوقيت والملابسات.. لم تكن مصر فى حاجة إلى أزمة نقابة الصحفيين مع الداخلية، خاصة وأن إدارة الأزمة جرت بأساليب خاطئة تفتقر إلى العقل والخبرة، ولا تخلو من انفعالات، وروح ثأرية، وصور سلبية متبادلة بين أطراف الأزمة، ما ضخم من الأزمة وحولها إلى ما يشبه الكارثة التى ألحقت خسائر بكل الأطراف، فالجميع خاسر.. ولا يوجد منتصر أو مهزوم.. وكل طرف بدد من رصيد شعبيته وصورته فى المجتمع.
المطلوب الآن من كل الأطراف مراجعة مواقفها وقراراتها، والتوصل إلى إدارة حكيمة وعقلانية للأزمة، تبتعد عن الانفعال.. وتضمن احترام القانون وحرية الصحافة وكرامة النقابة، وقناعتى أن الحوار هو السبيل للخروج من الأزمة.. حوار يجمع كل الأطراف عبر وسطاء من النقابة والدولة أو عبر حوار مباشر بين الرئيس السيسى وبين مجلس النقابة بكامل أعضائه. وطالما تحدثنا عن الحوار فإنه يعنى التفاوض وتقديم تنازلات، سواء من الدولة أو من الصحفيين، وهنا على النقابة تقليل سقف مطالبها، والتى جاء بعضها مبالغا فيه، وبتأثير التوتر والانفعال الجمعى لمئات الصحفيين الذين هبوا- وهذا واجبهم- دفاعا عن نقابته العريقة، والتى لم تقتحمها قوات الشرطة منذ تأسيسها قبل 75 عاما.
لقد جرى تسييس الأزمة من خلال إقحام الرئيس السيسى فيها، من دون التأكد من علمه أصلا بموضوع اقتحام النقابة. إضافة إلى استغلال جماعة الإخوان وبعض قوى المعارضة فى الداخل للأزمة. فى المقابل قامت قوات الأمن بحصار النقابة، وحشدت أو سمحت لمئات «المواطنين الشرفاء» الذين اعتدوا على الصحفيين، واتهموهم بالخيانة، والتآمر على الرئيس السيسى ومصر، أى أن من حشد ولقن المواطنين الشرفاء دورهم تورط فى تسييس مضاد، فقد زج باسم الرئيس السيسى فى أزمة النقابة، حيث رفعت صوره، ورددت كتائب المواطنين الشرفاء اسمه فى مواجهة غير حقيقية وغير مطلوبة بين الصحفيين والرئيس. الحوار والتفاوض من وجهة نظرى ومن دون أى شروط هو الحل الواضح للخروج من الأزمة، وهذا الحوار لابد أن ينطلق من مسلمة عدم التسييس واحترام القانون، وعدم الكيل بمكيالين عند تطبيق القانون، فهناك قرارات ضبط وإحضار من النيابة لم تنفذ على بعض الشخصيات لأسباب إنسانية أو سياسية أو إجرائية، وبالتالى من حق الصحفيين أن يظنوا أن هناك تشددا مبالغا فيه فى تطبيق أمر الضبط والإحضار، لأنه كان من الممكن التفاهم والحوار مع نقيب الصحفيين، قبل اقتحام النقابة.
لكن السؤال والذى يحتاج إلى إجابة واضحة من النقيب الشجاع يحيى قلاش ومن وزارة الداخلية، هو: هل جرت اتصالات بشأن تسليم الصحفيين المطلوبين، أم أن الاقتحام جاء من غير اتصال أو حوار؟ وبافتراض أن الداخلية قد تواصلت مع قلاش، فإن الحوار لابد أن يتطرق إلى إشكالية أن التهم الموجهة للصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، اللذين ألقيا القبض عليهما من داخل النقابة تتصل بعملهما المهنى، وما قاما به من نشر أخبار أو آراء فى موقع إلكترونى، أى أن التهم تتعلق بحرية النشر والتعبير، وإذا ما كان هذا النشر يعد دعوة لخرق قانون التظاهر والإخلال بالأمن، وهو ما يدخل فى صميم عمل نقابة الصحفيين، وضمن مهام النقابة فى الدفاع عن أعضائها. طبعا سيقال لكن أحد الصحفيين المطلوبين ليس عضوا فى النقابة ومازال طالبا.. وهذه قضية فرعية لأن النقابة من واجبها ودورها حماية حرية أعضائها العاملين، وكذلك الصحفيين تحت التمرين، لأنهم هم أعضاء النقابة فى المستقبل، ولا يجوز الكيل بمكيالين أيضا فى مسألة الدفاع عن حرية الرأى والتعبير، خاصة وأن بعض مفاهيم القانون غامضة وتتسم بالعمومية.. حتى كثير من الأخبار أو الآراء المنشورة فى الصحف يمكن تأويلها وتفسيرها باعتباره محاولة للإخلال بالأمن وتهديد الاستقرار والصفو العام.