من ينتصر.. الداخلية أم النقابة؟.. من خاضوا معركة الحفاظ على كرامة نقابة للصحفيين وحرية الكلمة فى وجهة نظر قصار النظر أنهم أعداء للرئيس، ومن لم يشاركوا فى وقفة النقابة الأربعاء الماضى خانوا عهد وقسم المهنة فى رأى من شاركوا، الحقيقة أنه لا يوجد من يعادى الرئيس ولا من خان العهد والقسم الصحفى، الكل فى خندق واحد وصف واحد، صف دعم الدولة، لكن لكل منا طريقته وأسلوبه الذى قد يختلف مع ما تراه أنت، لكن فى النهاية لا يمكن أن نطلق أحكاماً عامة تخون ذلك أو تضعه فى صف الأعداء أو الوطنيين.
ما حدث فى أزمة نقابة الصحفيين والتعاطى معها يوصلنا إلى نتيجة بديهية، وهى أننا كعادتنا فى الخلاف نستعدى بَعضُنَا البعض، ونطلق الأوصاف التى لا مجال لها، كما تظهر براعتنا الشديدة فى التهديد بالقوائم السوداء، النتيجة البديهية لما حدث أننا لا نقوى على تحمل الخلاف فى الرأى وتقبل الآخر، كلنا نعمل بمنطق جورج بوش «من ليس معى فهو ضدى»، عممنا هذا المنطق لدرجة أننا خاصمنا الجميع، ولم يعد أمامنا باب واحد مفتوح نطرقه، الكل تمسك برأيه وكأنه الصواب النهائى، فوصلنا إلى ما نحن عليه الآن.
أزمتنا جميعاً أن قراراتنا تؤخذ وقت الانفعال، فتصل إلى عنان السماء، دون تفكير فى المستقبل، كمن يصعد إلى مكان عال دون التأكد أن السلم الذى صعد عليه موجود حتى يهبط لمكانه مرة أخرى، فحينما وصل نظر تحت قدميه فلم يجد السلم، وتعلق بالمكان المرتفع ولا مجيب لنداءاته المتكررة، هذا هو حالنا الآن، حال الجماعة الصحفية وحال السياسيين وحال كل مصر للأسف الشديد، لا ننظر حولنا ولا نستمع إلا لأنفسنا فقط، نتعامل بمنطق الرأى المقدس الذى لا يعترف بالآخر وبالحوار، لا يعترف إلا بنفسه فقط دون أن ينظر لأخطائه.
للأسف الشديد الحقيقة واضحة وجلية لكن لا أحد يريد أن يقترب منها خوفا من لا شىء، الحقيقة فى أزمة نقابة الصحفيين تقول إن ما قيل بشأن اقتحام الداخلية نقابة الصحفيين للقبض على عمرو بدر ومحمود السقا لم يكن فى مجمله صحيح، وكان من المفترض أن يحدث تروى فى المسألة لحين التحقق مما حدث، وهذا كان خطأ الجميع بما فيه أنا، وضعنا جميعاً الكرة فى ملعب واحد وهو ملعب الدولة، دون أن ننتبه لأخطائنا وكأننا فوق الخطأ، وأنا هنا لا أدافع عن الدولة أو أتراجع عن موقفى، لكننى أحاول التوصل للحقيقة، فالعصبية مر وقتها، وحان وقت التروى لقراءة الأحداث بمنطق وليس بعصبية ولا بعاطفة، لأننا فى النهاية يحكمنا هدف واحد، وهو ضمان الحرية والكرامة لمصر كلها وليس لنقابة الصحفيين فقط، ولا نريد كسر أحد، كل ما نريده أن نكون فى دولة القانون المطبق على الجميع.
فى هذه الأزمة هناك عدد من الأسئلة المشروعة المطلوب من الدولة ان تجيب عنها، وهى لماذا تأخرت فى التعامل مع الأزمة منذ بدايتها، ولماذا لم تعلن على الملأ ما لديها من تفاصيل خاصة باتصالاتها مع الزميل يحيى قلاش نقيب الصحفيين كما تقول الوزارة، ومطلوب أيضا من النقيب الإجابة عن تساؤلات منها تفاصيل المكالمات التى تمت بينه وبين قيادات فى وزارة الداخلية منذ اعتصام بدر والسقا داخل النقابة، كما أن مجلس النقابة مطالب أيضاً بتوضيح موقفه، مما أعلنه فردا الأمن فى النقابة محمد حسين، ووليد السيد بأن الداخلية لم تقتحم النقابة وأنهم أجبروا للتوقيع على مذكرة بالواقعة تخالف الواقع، ولكنهم لم يستطيعوا أن يرفضوا حفاظاً على وظيفتهم، وأمور أخرى كثيرة لا يجب تفسيرها بأنها تمثل تراجعا منى فى موقفى الداعم للنقابة وحمايتها، لكنها نوع من مراجعة الذات، ولكى تكون الحقيقة واضحة وجلية أمام الجميع، خاصة ونحن على يقين بأن ما بين الشرطة والصحافة أكثر مما يفرقهما، الاثنان يخوضان معركة مصيرية لإبقاء مصر، ويقفان فى صف واحد.
ليس هناك منصف إلا ويقول، إن الأزمة كشفت عن غياب واضح للسياسة، وحضور طاغى للعصبية ورغبة كل طرف فى تحقيق نصر مبين على الآخر، فالكل يعتبرها معركة مصيرية لكنهم لم ينظروا للصالح العام، الكل يتشدق بالقانون لكنهم أول من يخالفه، وهذه هى الأزمة أو اعتبرها القضية الأساسية الآن، فكلنا دخل المعركة ولديه تصميم على النصر دون اعتبار للآخر، فكانت النتيجة أن الجميع يخسر وفوق كل الخاسرين بالطبع الوطن.
وليس هناك منصف إلا ويقول إن سقف التفاوض فى مصر لا حدود له، ويحتاج لمراجعة من الجميع، كسرنا الحدود والفواصل فلم نفرق بين الحكم والخصم فتاهت من أيدينا القضية.
المنطق يقول، إن مراجعة الذات هى المطلوبة فى هذه الأوقات الحاسمة والصعبة، لأننا فى النهاية نعمل فى معادلة صفرية لا رابح ولا خاسر فيها، والأهم أن نتلمس الطريق تحت أقدامنا حتى لا نضل الطريق.