على الرغم من حالة الابتهال التي انتابت قطاع عريض من أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، بالخطوة التي اتخذها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بتحويل متحف "آيا صوفيا" إلى مسجد، معتبرين أن ما اقترفه يعد بمثابة انتصارا للدين الإسلامي، وعودة لزمن "الفتوحات"، إلا أنهم في واقع الأمر أغفلوا حقيقة مهمة مفادها أنه أضر المسلمين في الكثير من مناطق العالم، في زمان تعانى فيه الأقليات المسلمة من متاعب كبيرة، سواء عبر تهميشهم، أو اقصائهم، وصولا إلى حالة يمكننا تسميتها بـ"الاضطهاد المنظم" من قبل الأكثرية.
حالة التهميش التي يعانيها مسلمو العالم، تبدو واضحة في الكثير من دول الغرب سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، خاصة وأنها ليست وليدة اللحظة الراهنة، حيث بلغت ذروتها مع بداية الألفية الحالية، تزامنا مع أحداث 11 سبتمبر والتي سعى خلالها الإعلام الغربى إلى ربط الإسلام بالإرهاب، وهو ما أدى إلى تداعيات كارثية، على رأسها التحرش بالمسلمين في الشوارع العامة والمحطات، مرورا بإقصائهم، ، مما دفع إلى حالة من الاحتقان، فيما سمى بظاهرة "الإسلاموفوبيا"، وهى التي ترتب عليها أحداث دموية، ربما أبرزها ما حدث في نيوزلندا في مارس 2019، على يد أحد الموتورين، والذى هاجم مسجدين في مدينة "كرايست تشيرش"، أثناء صلاة الفجر.
ولعل المخاوف تتزايد في المرحلة الراهنة، بصورة كبيرة في الغرب من صعود تيارات اليمين المتطرف، في الكثير من الأرجاء هناك، وتنامى نفوذهم، جراء مواقفهم المناهضة للهجرة، بالإضافة إلى نزعاتهم المتشددة، والتي قد تفتح الباب أمام استهداف الأقليات، من المهاجرين، وهو الأمر الذى قد يتسع نطاقه، ليتحول إلى استهداف منظم للمسلمين.
ولكن بعيدا عن الغرب، ربما نجد نماذج لدول أخرى، يعانى مسلموها بصورة كبيرة، لتتزايد معاناتهم في المستقبل، جراء ما اقترفه أردوغان مؤخرا، وأبرزها النموذج الهندى، والذى يشهد افتتاح معبد هندوسى يوم الأربعاء المقبل، على قطعة من الأرض كانت يوما ما، قبل 30 عاما، مسجدا إسلاميا، في خطوة من شأنها زيادة الاحتقان في الداخل الهندى، في المرحلة المقبلة، خاصة مع صعود النزعات المتطرفة بين الحين والأخر، من قبل المتشددين الهندوس تجاه المسلمين في الهند.
خطوة بناء المعبد على أرض كانت يوما ما مسجدا، ترتبط بصورة كبيرة بالقرار التركى المتهور المتعلق ب،"آيا صوفيا" في مدينة اسطنبول، فالزعيم الهندى يطمح في توسيع شعبيته بين القطاع العريض داخل مجتمعه، وهو الهدف نفسه الذى يسعى إليه الديكتاتور التركى.
ولكن بعيدا عن الدوافع المشتركة وراء الخطوة التركية ونظيرتها الهندية، فلو نظرنا إلى موعد افتتاح المعبد الهندوسى، نجد أنه كان مؤجلا، نظرا لإصابة مسئولين، ومن بينهم وزير الداخلية ، بفيروس كورونا، إلا أن رئيس الوزراء ناريندرا مودى، أصر على أن يكون الافتتاح في موعده وبحضوره، لاستغلال ما يمكننا تسميته بـ"الزخم" السياسى والدولى المرتبط بالخطوة التي اتخذتها أنقرة، في ظل انتقادات دولية كبيرة للنظام الحاكم في تركيا، لم تؤتى ثمارها.
وهنا يمكننا القول بأن قرار "الخليفة" المزعوم في تركيا، يمثل سابقة تاريخية، من شأنها انتهاك المقدسات الدينية، في المستقبل، وخاصة المتعلقة بالمسلمين، في ظل أفكار مغلوطة صارت مترسخة لدى مواطني العديد من دول العالم، اعتادت على الربط بين "حماقات" البشر، سواء جماعات إرهابية أو مسئولين اعتمدوا الدين كغطاء لإبرام صفقاتهم المشبوهة، بينما تبقى التداعيات الدموية التي قد تترتب على ذلك بمثابة لعنات تلاحق الديكتاتور التركى، ونقاط سوداء جديدة في تاريخه المظلم.