أغنانى الدكتور جاسر الحربش فى مقال له على موقع جريدة الجزيرة عن أن أكتب مقالا يحمل نفس المعانى التى ضمنها فى مقاله.. وسأنقل للقارئ المصرى، بتصرف، بعضا مما ذكره فى مقاله لأنها بالفعل تضعنا أمام تساؤل مهم: هل أضاعت قيادات فلسطينالدولة الفلسطينية؟ يقول الدكتور جاسر الحربش.
كاتب هذا المقال عربى سعودى سبعينى ينتمى لجيل لقن التضامن مع الحق الفلسطينى فى البيت والشارع والمدرسة، ويحزنه أنه لم يعد يجد ذلك التضامن فى الأجيال الجديدة فى المجتمعات الخليجية وغير الخليجية.
لنلقِ نظرة على تعاقب الأجيال الفلسطينية: جيل النكبة (كما يسمونها) أى الجيل الأول حمل معه الأمل الكبير فى أن الحق لا يضيع وكان عليه التوفيق بين الكفاح المعيشى فى المهاجر وفى الأرض المحتلة لمن بقى فيها، مع الاحتفاظ بذاكرة الوطن. الكفاح المعيشى استهلك كل الجهود والوقت، فلم يكن ثمة مقاومة مشهودة تدخل هذا الجيل التاريخ مع الأمم ذات الكفاح المجيد من أجل الحرية. اكتفى الجيل الأول بالصراخ والاستنجاد بالعرب والمسلمين واتكل بشكل شبه كامل على ذلك. منذ بداية الهجرات الصهيونية وحركاتها الإرهابية إلى فلسطين فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى وحتى أواسط الستينيات لم يقدم جيل النكبة الفلسطينى أكثر من الصراخ والتهديد والاستغاثة بالإخوة العرب، وانصرف الناجحون منه إلى جمع الثروات والامتيازات.
فى الستينيات والسبعينيات بدأ الجيل الفلسطينى الثانى (فى المهاجر وليس فى الأرض المحتلة) بتكوين تجمعات قتالية هنا وهناك واستطاع إزعاج الاحتلال بأعماله القتالية، لكنه ارتكب خطأً شنيعاً وما زال الفلسطينيون يكررونه حتى اليوم، وهو تحدى سلطات الدول التى آوتهم وتحريض مجتمعاتها عليها، وأحيانًا معايرة المجتمعات نفسها بالخيانة والعمالة للإمبريالية. فى النهاية فشل الجيل الثانى بسبب صراعاته مع بعضه وتم احتواؤه بكذبة كبرى اسمها اتفاقية أوسلو التى عقدتها منظمة التحرير الفلسطينية مع العدو برعاية غربية دون استشارة أو موافقة أى طرف عربى. هكذا استنبتت إسرائيل تدريجياً سلطات فلسطينية صورية فى الضفة الغربية وغزة مهماتها الرئيسة ضبط الأمن الإسرائيلى والمتاجرة بالأرزاق ومواد البناء والشعارات وبالعمالة المتعددة الأطراف.
هكذا ارتكب ورثة الجيل الفلسطينى الثانى أفدح الأخطاء فى حق الفلسطينيين وقضيتهم ثم فى حق الهوية العربية وخصوصاً عروبة الجزيرة العربية (يسمونهم عرب النفط) تمييزاً تحقيرياً لهم عن العرب الآخرين، وهذه بعض الأمثلة على الأخطاء:
أولاً: أخطاء سلطات رام الله وغزة فى حق الفلسطينيين، التنسيق مع الأمن الإسرائيلى لإجهاض احتجاجات الشباب الفلسطينى، مع التركيز على توفير حياة مرفهة وتعليم عالٍ وجنسيات أجنبية لبناتهم وأولادهم وأحفادهم. أهم من ذلك كانت المتاجرة بالأرزاق ومواد البناء والصحة والتقريب والإبعاد حسب الولاء الشخصي. هذا الفساد لحيتان الفساد فتح وحماس يعرفه الفلسطينيون جيداً بالمعايشة اليومية وأصبح حديث الإعلام العالمى فى كل القارات.
ثانياً: أخطاء فى حق عرب الجزيرة العربية، انطلقت القيادات الفلسطينية فى رام الله وغزة من الاعتقاد بأن الحكومات الخليجية ومجتمعاتها جدران قصيرة تستطيع ابتزازها بالعمالة لإمارة قطر وللإيرانيين والترك وللإعلام الغربى المضاد لعرب الجزيرة العربية. أصبح برنامجاً متكرراً تقبيل أيادى وأكتاف حكام إيران وتركيا وتبادل الزيارات والمؤتمرات معهم وامتداح ميليشياتهم وعصاباتهم، يقابله تسليط الأبواق السفيهة المأجورة قليلة العدد عالية الصوت للتشنيع على عرب الجزيرة حكومات وشعوبًا وأوضاعًا اجتماعية.
بعد كل ذلك يبقى الخطأ المدمر الذى ارتكبته القيادات الفلسطينية أثناء الفتنة الخليجية العربية الكبرى لغزو العراق الأحمق والغادر للكويت ونهبه وتشريد سكانه. فى تلك الفتنة المدمرة لم تستغل القيادات الفلسطينية ومثقفوها رصيدها الحقوقى والأخلاقى من تجربة الاحتلال والتشريد الخاصة بها، وبدلاً من ذلك جيشت الجماهير الفلسطينية ضد المجتمعات والحكومات الخليجية واصطفت مع الغزو الأحمق الذى رفع معهم شعار تحرير القدس وفلسطين يمر عبر تقويض الأمن العربى فى الخليج وإسقاط منظوماته الحكومية والاجتماعية.