كثير ما تقع أعيننا على عبارات مكتوبة على ظهر سيارات الميكروباص مأخوذة من قاموس الحكم والأمثلة الشعبية المتداولة بين الناس، منها مقولة «الإحساس نعمة»، أو «اللى عنده دم أحسن من اللى عنده عزبة»، التى تعكس فى الحقيقة خلقًا إسلاميًا رفيعًا بامتياز، وهو الإحساس بالآخر، بما يعنى أنك تشعر بمن حولك، دون أن يطلبوا منك ذلك، فتتعامل معهم بإنسانية ورحمة، تشعر بمعاناتهم، وتلتمس لهم الأعذار إذا أخطأوا. وفى القرآن العديد من الآيات التى تحث على هذا الخلق، فيقول الله تعالى «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»، فى رسالة قرآنية تؤكد أهمية العلاقات الإنسانية بين الناس، فيتوادون ويتراحمون، ويتألمون لآلام بعضهم.. وفى الحديث يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما فى الرأس»، ويقول فى حديث آخر «مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
وإذا كنا مأمورين بالإحساس بالآخر فما بالنا بأقرب الناس إلينا، لن تجد أكثر من الأم فى الحياة يمكن أن يشعر بك، فى حركاتك وسكناتك، فى صمتك وكلامك، ولم لا وهى مصدر وجودك فى الحياة، بكاؤك يبكيها، وابتسامتك هى سر سعادتها.. جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتى؟ قال أمك. قال ثم من؟ قال أمك. قال ثم من؟، قال أمك. قال ثم من؟ قال أبوك.
الإحساس بالآخر أن تشعر بغيرك، فتسأله عن أخبارهم وأحوالهم.. تتعرف على مشاكلهم عن قرب.. تساعدهم على حلها قدر استطاعتك.. فى العمل.. اقترب من زملائك بشكل إنسانى.. اخرج معهم فى نزهة.. اذهب معهم فى مناسبة.. تناول الطعام معهم.. لو كانت هناك مشكلة استمع إليهم.. حتمًا سيكون هذا أفضل لك ولهم. النبى كان يشعر بالشباب ومشاكلهم، كان أعلم بها من غيره، فيقول: «يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء».. كلنا نعرف حديث النبى عندما جاءه شاب يطلب منه أن يأذن له بالزنا، وبعد أن ظل يسأله ويجيبه، أقنعه بخطورة طلبه، ووضع فى النهاية يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شىء.
ربنا خالقنا الذى يعلم السر وأخفى، هو أدرى بأحوالنا.. ومطلع على خفايا صدورنا.. يعلمنا الإحساس بالآخر بشكل عملى من خلال معاملته معنا.. فى حديث النبى «ليس أحد أحب إليه العذر من الله».. أحيانًا يعتذر لك إنسان بعذر أسوأ من الخطأ، لكن الله يقبل، فلا أحد أحب إليه العذر من الله.. أحيانًا يتكرر الخطأ ويتكرر معه الاعتذار فترد عليه: «دى مش أول مرة».. لكن الله يقبل.. فماذا عنك أنت.. من اليوم اقبل الأعذار ليقبل الله عذرك مهما كان سيئًا.
الإحساس بالناس يجعلك إنسانًا محبوبًا.. دليل على أنك رحيم ودود.. كان الشيخ سرى الدين السقطى كثير الاستغفار، ما أثار تساؤلات الجلوس، فسأله أحد الحاضرين، وقال له: أراك كثير الاستغفار فمن أى شىء تستغفر.. فقال منذ ثلاثين عامًا حدث حريق فى القرية، وبينما ونحن فى الطريق قال لى أحد العائدين نجا بيتك من الحريق، فقلت: الحمد لله.. ومنذ ذلك اليوم وأنا أستغفر الله على قولى الحمد لله.. لأنى تمنيت لنفسى الخير دون الناس.
الشعور بمعاناة الآخرين جعل الفتاة الأردنية عبير صيقلى تتحول إلى مصممة معمارية عظيمة، بعد أن شعرت بآلام اللاجئين.. فأوجدت حلاً لمشكلة التزود بالطاقة الكهربائية داخل الخيم، من خلال تصميمها الهندسى المبتكر أن تمتص الطاقة الشمسية وتحولها لطاقة كهربائية يتم تخزينها فى بطارياتٍ خاصة، وبالإضافة إلى ذلك فإنه بإمكان الخيمة جمع مياه الأمطار وتخزينها لاستخدامها فيما بعد، يمكن أن تخلق لديك شعور الإحساس بالآخر، من خلال عملية تدريب على تخيل نفسك مكان الناس لمدة شهر تتحول إلى طريقة حياة جميلة.. التمس الأعذار للناس قبل أن يعتذروا.. اقبل أعذار الناس مرة واثنين وثلاثة.. ضع الآخرين مكانك.. فى حادثة الإفك يعلم الله تعالى الأمة منهاج النظر والبحث عن الخير فى نفوس الناس فيقول تعالى: «لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ».. أحسنوا الظن بالناس.. يحسنون الله الظن بكم.. اشعروا بغيركم.. حتى تجدوا من يشعر بكم.