اللغة أحيانا تكون مجرد وسيلة للتواصل مع الآخرين، لكنها فى معظم الحالات تكون أكثر من ذلك، فاللغة لها روحها الفرحة أحيانا والحزينة أحيانا أخرى المتفائلة أحيانا والمتشائمة فى معظم الأحيان، ومؤخرا انتشر خبر على المواقع الإخبارية يقول بأن عمال الإنقاذ الذين يبحثون فى أنقاض مبنى متداع بسبب انفجار مرفأ بيروت صرحوا بأنه "لم يعد هناك أمل فى العثور على أحياء".
عندما قرأت هذه الجملة وقفت كثيرا متأملًا ما فيها من معان قاسية، وقلت فى نفسى: كيف لهذه الجملة المركبة من كلمات قليلة أن تقضى على آمال كبرى كانت متعلقة بوجود أحياء رغم مرور ثلاثة أيام من البحث، وكيف تعاملنا نحن أهل الصحافة مع الجملة على أساس أنها إعلان انتهاء البحث، بينما تعامل معها أهل الضحايا على أساس أنها إعلان حياة إنسان أو أكثر.
كيف للغة أن تصدر هذه الأحكام القاسية، ثم يذهب قائلها ليكمل عمله، ويذهب مستمعها ليواصل حياته، بينما تظل الحروف القاسية معلقة فى سماء الحدث شاهدة على أناس توقفت حياتهم فجأة بسبب تفجير لا ذنب لهم فيه، بل قدرهم وحظهم هو الذى جعلهم موجودين فى تلك اللحظة فى هذه المنطقة التى فكر آخرون فى العبث بها.
بالطبع، لا أدين اللغة، لكن أسوقها شاهدًا على حالنا المهدد بصفة مستمرة، فى عالم صار ارتكاب جريمة فيه مجرد خبر يتلى بين آلاف الأخبار اليومية اللاهثة، والتى لا يمكن حصرها حتى لو حاولنا، ففى كل ثانية من اليوم تقع مصائب كبرى على مستوى العالم نعبر عنها "لغة" ثم نمضى.