أرسل لى صديقى العزيز «محمد أبوالفضل بدران»، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة، مقالا موجعا تعليقا على مقالى «بلد كأنه»، ولكى لا أطيل عليك سأتركك مع ما كتبه «بدران» لتتأكد من أن الشعور بعدمية مؤسسات الدولة شعورا عاما، يتلمسه كل صاحب عقل أو نظر، وإلى نص المقال:
كتب الصديق وائل السمرى مقالا عنْونه بـ «بلد كأنه» تحدث فيه عن جيش الموظفين «ما يقرب من 3 ملايين موظف بالمحليات فقط»، والنتيجة كما نرى؛ وأقترح يا أخى وائل أن ننشئ وزارة للسعادة كما فى دولة الإمارات العربية حتى نقيس رضا وسعادة الناس تجاه ما يقدم لهم من خدمات، وسنرى العجب، وأتذكر أن مؤسسة ألمانية حسبت ذات مرة متوسط ما ينفقه المواطن الألمانى العائش 80 سنة فى الانتظار سنتان؛ وهما ما ينفقهما المواطن المصرى فى انتظار طوابير العيش فى خمس سنين فحسب، فإذا دخلت بنكا حكوميا لصرف شيك، يُنادى عليك وكأنك تشحذ فلوسك، وإذا أوقعك حظك العاثر فى طلب شهادة فأنت وحظك، وستجد هذا الموظف وكأنه يجود عليك بحقك، والعجب العجاب أن أكبر نسبة معتمرين وحجاج من مصر؛ ولم تنعكس هذه العبادات على المعاملات، وكأنهم يفرقون بين هذا وذاك، وينسون فضل قضاء حوائج الناس فما بالك بحقوقهم، ففى البلدان الأوروبية لا توجد ملائكة، ولكن يتم تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، فتتحول الدولة إلى عائلة المواطن ومصدر عزته، وقبيلته التى تؤويه وتسانده وقت الشدة. هل توجد دورة مياه نظيفة فى أى مصلحة حكومية بمصر أو فى أى شارع؟ هل العيب فى سوء الاستخدام أم سوء الصيانة؟ نظافة دورات المياه ووجودها مظهر حضارى وصحى، متى نهتم بذلك؟
نأتى إلى الخدمات التى تقدم للمواطن، فالطلاب لا يذهبون للمدارس بل يبحثون عن واسطة حتى يتغيبوا، والدروس الخصوصية أقصد العمومية هى الملجأ، والمستشفيات أنتم أدرى بها.
يجب أن تتحول الدولة إلى حاضنة للمجتمع، وإلا سنجد دولا موازية فى داخل الدولة، فقد لجأ المُهَمّشون إلى الجماعات المتأسلمة ليصبحوا أمراء فيها، وهناك نظام يفرّق الأموال شهريا على أهالى المسجونين والمقتولين تطبقه جماعات أخرى. متى تحل الدولة بدلا من هؤلاء، أتذكر عندما كنت طفلا حوارا دار بين أبى، رحمه الله، وبين مزارع يزرع أرضا لنا بموجب قانون الإصلاح الزراعى، وكان هذا الرجل يتلكأ فى دفع الإيجار، فداعبه أبى قائلا: يبدو أنك أخى من أبى، وقد رثتَ أرض أبيك، فردّ هذا الرجل: «أنا أبوى جمال عبدالناصر».
تشكو من كثرة الحرائق وأنت ترى أن التشوينات فى داخل الشقق السكنية ولا حماية مدنية ولا يحزنون، وإذا شب حريق فكيف تصل عربة المطافى بالقاهرة إلى أى مكان؟ هل تصدق أن محافظة كاملة لا يوجد بها حضانة للأطفال المبتسرين أو لا يوجد بمستشفياتها الحكومية جهاز أشعة متقدم، وإذا وُجد فهو معطل بشكل متعمد لحساب الجهاز الخاص فى الشارع المقابل؟ المنظومة محتاجة لقوانين تُطبق، ولوزارة سعادة تمحو كآبة واكتئاب المواطن المصرى حتى تختفى «كأنه وكأنها».