ليس عنواناً من وحي خيالي، ولكنه متحفاً حقيقياً في اسطنبول....
ليس متحفاً وطنياً ولا يجمع قطعاً اثرية او كنوزاً....
فلهذا المتحف قصة.
اورهان باموق كاتب تركي فاز بجائزة نوبل للأدب في عام ٢٠٠٦، كتب كتاباً يحمل ذات الاسم... عن قصة حب مستحيلة بين ارستقراطي تركي و بين فتاة بسيطة.... اراد ان يربط احداث القصة بهذا المتحف، فجمع فيه تفاصيل صغيرة وجدت في قصة الحب هذه، و الأجمل ان اياً منا سيجد جزأً من روحه في هذا المتحف، بقصص الحب الأولى و برائتها، و تفاصيلها التي نحفظها عن ظهر قلب حتى بعد ان تمر عقود من السنين.
في ذلك المبنى الاحمر الذي يبعد دقائق عن ميدان تقسيم، ستجد مفاتيح مختلفة معلقة، ترمز الى البيوت المختلفة التي عاش بها بطلا القصة كلٌ على حدا.... ستجد فستانها ذا الورود وعقدها البسيط، اشياء كثيرة متناثرة هنا و هناك في فوضى متناسقة.... من كراكيب منازل ذلك العقد من الزمان، بطاقات بريدية ، صور فوتوغرافية، أعواد ثقاب، مملحات، مفاتيح، مقاطع افلام، العاب، صحف قرأها البطل، لرموز لاحداث قامت خلال قصة حبهم في سبعينات و ثمانينات القرن الماضي...و اشياء اخرى كثيرة جمعها الكاتب بمساعدة اهله و اصدقائه كلٌ كجزء من حياة عاشوها.
كانت فكرة مبتكرة، مختلفة و جديدة.... ارست قواعدها لمشاريع اخرى كافلام وثائقية منها براءة الذكريات لجرانت جي... تأخذ نفس الفكرة بشكل مختلف.
و لكن!
كم هو جميل و مؤلم ان تصبح برائتنا متحفاً نزوره.
لكني اكتشفت ان بداخل كل منا متحف لا يزوره أحد إلا صاحب المتحف.
لا نزوره الا عندما تهدنا الحياة المميكنة، ونمل من مساحيق التجميل التي نراها حولنا و نضعها على وجوهنا.
لا نزوره الا حين ينهشنا التعب في بحثنا المستمر عن الراحة.
لا نزوره الا عندما نفقد الأمل ونفتقد اكثر ما نفتقد بائتنا نحن.
متحفاً مطابقاً لمتحف باموق.....نرى فيه ذكرياتٍ متناثرة، من غرف نومنا في منزل اهلينا، بتفاصيلها الصغيرة، فهناك صورة لمطرب شهير معلقة على الحائط، و لعبة دب يحمل قلباً، و وردة صناعية كانت تفوح بعطر يوم حصلنا عليها كهدية في عيد الحب.... و رسائل قديمة كانت يوماً تلتهب شوقاً...
نذهب في محاولة ان نستعيد جزءاً من ارواحنا الضائعة في زحمة المسئوليات كاباء و امهات من ناحية و ابناء اصبحنا نحمل مسئولية كهولنا، و بين وظائف و اعمال و مجتمع ضاغط.... نذهب لنشعر باننا ما زلنا صغار، لا نحمل هم الحياة ...و لو لثواني.
و على تشابه كل المتاحف داخلنا، الا ان كل متحف براءة يحمل خصوصية و ندرة ...
فهنا كيف رأيت العالم بعينيك انت، و كيف استقبلت هذه الاحداث او تلك بعقلك انت، و هنا كيف ضج قلبك نبضاً ، و هناك كيف ادمت عينك دمعاً.... و هنا نسائم لقاء صيفية، و هناك رائحة فراق كرائحة الخريف.
عزيزي/ عزيزتي:
لا استطيع ان ارسم لك خارطة توضح لك شكل متحفك الخاص، فكل من يعرف جيداً تفاصيل متحف برائته.... لكن نصيحة:
ابني جسراً بين متحفك و حاضرك.... املأه بحلو ايامك.... فحتى لو كنا نميل كبشر لتذكر المؤلم و اسقاط الذكريات الجميلة.... فعلنا هذا لا ينكر وجودها.... كل ما عليك ان تعيد غرسها.... عل و عسى تصبح زيارات المتحف لنضيف اليها جميل ايامنا، و عل و عسى نعود محملين بجمال ارواحنا على مر الاعوام.
لي صديقٌ، لا زال يجمع علب الاشياء الفارغة كما كان و هو طفل صغير... انها طريقته للتمسك ببرائته.... وسيلته للشعور بانه يوماً ما لم يكن يحمل للدنيا هماً.
شكراً
خلاصة الكلام:
"غالبا ما تكون البراءة حظ طيب وليست فضيلة."
أناتول فرانس