في السنوات القليلة الأخيرة، تعددت المواقف الإنسانية لضباط الشرطة المصرية في التعامل مع مواطنين عاديين وبسطاء. هذه المواقف كانت مثار اهتمام من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ونشرها على نطاق واسع وكان ذلك محل اعجاب الكثيرين – وأنا واحد منهم بالطبع- الذين تمنوا أن يكون ذلك قاعدة وليس استثناء من ضباط الشرطة
الاهتمام والاحتفاء بمواقف بعض ضباط الشرطة يشير الى عدة أمور، أولها بالطبع ابراز مثل هذه النماذج المشرفة والواجه المشرقة لوزارة الداخلية المصرية والوجه الإنساني لجهاز الشرطة المصرى الذى من المفترض فيه حسن التعامل مع المواطنين باعتباره جهاز مدنى وخدمي، الأمر الثانى هو تشجيع باقى الضباط على اتباع نفس السلوك الانسانى لأنه في الأصل انسان تم تكليفه بتنفيذ القانون وفقا للدستور الذى يحافظ على كرامة المواطن، الامر الثالث وهو الأهم في رايي ان هناك جيل جديد من الضباط وخاصة بعد ثورة 30 يونيو 2013 أدركوا أهمية التغيير الشامل في طبيعة العلاقة بين المواطن والضابط بعد ان شاهد كيف كان الشعب المصرى السند والداعم للشرطة المصرية ضد بلطجة الاخوان ومحاولة تفكيك أجهزة الأمن الداخلى في مصر و" اخونة " الوزارة وتشكيل عصابات مسلحة في الشوارع بديلة لجهاز الأمن الرسمي.
وأعتقد ان الرئيس السيسى منذ توليه شئون الحكم وهو حريص على التطوير والتغيير وربما جاءت زيارته الاستثنائية في نوفمبر الماضى لأكاديمية ومتابعته- لأول مرة من رئيس جمهورية- لاختبارات لجنة كشف الهيئة للطلبة الجدد المتقدمين للالتحاق بكلية الشرطة رسالة غاية في الأهمية لانتقاء العناصر المميزة القادرة على الوفاء بأعباء رسالة الأمن السامية ذات الطابع الانسانى والمتحضر والعصرى الذى يتوافق مع الدولة المصرية الجديدة
في هذه الزيارة الرئيس شدد على أهمية تطبيق المعايير الموضوعية المجردة والحيادية التامة عند انتقاء العنصر البشري في جهاز الشرطة، لإعداد جيل قادر على مواجهة كافة التحديات والقيام بأداء رسالته بأفضل ما يكون الأداء. وفسر خبراء الامن بان الرئيس حرص على التأكيد على انه لامجال للواسطة والمحسوبية في الاخيارات وأن الشرطة أبوابها مفتوحة لابن الخفير قبل ابن المسئول والوزير..
هذه الزيارة لها أكبر التأثير في عملية تطوير أجهزة وزارة الداخلية ..ليس فقط التطوير الشكلى لأقسام الشرطة- وهو مهم- وانما التطوير في حسن معاملة المواطنين والإرتقاء بمستوى الأداء الأمنى وما تقدمه الأجهزة الأمنية من خدمات ، وإتخاذ كافة الإجراءات التى من شأنها التسهيل والتيسير على المواطنين والإهتمام بتحقيق شكواهم حال ترددهم على مختلف القطاعات الأمنية..وهو ما بدا خلال الزيارات المتعاقبة والمفاجئة لوزير الداخلية الكفء اللواء محمود توفيق لاقسام الشرطة وهو ما يسمى العلوم الشرطية بـ " الشرطة المجتمعية"..
المسألة ببساطة أن الأصل في نجاح عمل الشرطة علاوة على التطوير والتحديث وغيره هو المواطن بتعاونه ودعمه للشرطة في أداء مهمتها.
الموقف الانسانى الذى دفعنى للكتابة عن الوجه الانسانى للشرطة المصرية هو موقف الرائد عمرو فتح الله رئيس مباحث قسم شرطة مدينة دسوق والذى فوجئ بانه اصبح بطلا فجأة لمواقع السوشيال ووسائل الاعلام رغم أنه قام بالموقف من منطلق انسانى بحت كما قال لى بعد مكالمة هاتفية معه لتحيته على موقفه.
الحكاية ببساطة ان احد المواطنين تعرض لأزمة مالية أثناء شراء مستلزمات علاج زوجته الحامل والتي كانت على وشك الولادة بمستشفى دسوق ورفض الصيدلى اعطاءه الدواء الا بعد تسديد الثمن كاملا وهو 215 جنيه ولم يكن معه سوى 100 جنيه فقط . وعرض عليه هاتفه المحمول وترك هويته الشخصية الى حين الرجوع اليه بباقى المبلغ
الصيدلى أصر على المبلغ كاملا دون مراعاه الحالة الإنسانية .. فاضطر الرجل الى خطف الدواء واسرع به الى المستشفى وسط صيحات " الصيدلى"..:" حرامى ..حرامى" واسرع الى القسم لتحرير محضرا مدعيا أن ثمن الدواء 400 جنيه.
الضابط عمرو فوجئ بدخول المواطن البسيط لتسليم نفسه للقسم فأصطحبه الى مكتبه للاستماع الى القصة.. فاكتشف كذب رواية الصيدلي.. وفى تصرف انساني متحضر اخرج باقى المبلغ من جيبه وأعطاه للصيدلى وسط دموع المواطن الذى علم بوضع زوجته لطفل فاصر على تسميته باسم الضابط الخلوق" عمرو" الذى يثبت أن الرحمة والإنسانية فوق الواجب وفى القلب من تطبيق القانون.
بالطبع موقف عمرو فتح الله لا يعنى انه مازالت هناك سلوكيات غير سوية من فئة قليلة من المنتمين الى الشرطة المصرية في طريقة التعامل مع المواطنين ولا يمكن ان يحدث التغيير بين يوم وليلة ولكن هناك ثقة في الأجيال الجديدة من الضباط في تغيير الصورة كاملة والسير على طريق " الشرطة المجتمعية". ذات الوجه الإنساني في التعامل مع البشر العاديين ..والشرطة الحازمة الحاسمة والقوية في التعامل مع كافة صور الاجرام والإرهاب.
هنا يجب توجيه تحية شكر للرائد عمرو فتح الله ..ونفترح ضرورة تكريمه حتى لوكان تكريما معنويا ليكون نموذجا محفزا لباقى ضباط الشرطة في أداء الرسالة الأمنية السامية والمتحضرة.