أحب أن أرسل لصديقتى المقربة حين أطهو شيئاً لذيذاً طبقاً لها ولابنها (التخصيص مقصود)، وأصبح عادة أن لا يأكل زوجها من طعامى (لأننا لسنا على وفاق) فهو لا يأكل منه، وأنا لا أريده أن يأكل منه - عيال عارفة - لكن هذا هو الحال.... بعض الأحيان أرسل أشياء لذيذة وتأخذه الطفاسة ويأكل منها، تصبح ليلتها كالحة سوداء حين أعلم :
ياكل ليه؟ مش هو ملوش فى حاجة بتاعتي.... مياكلش من اكلي.
وأحياناً أخرى تأخذه الكرامة ولا يأكل، اقول حينها: احسن، عنه ما كل.
تجيبنى صديقتى دوماً: قلبك اسود.
مرضت صديقتى وزوجها وابنها الأسبوع الماضي
أرسلت لها الشوربة المعتادة بكمية تكفيها للغد ايضاً، إذ إنها منهكة القوى، ولن تستطيع أن تطهو شيئاً.
بعد أسبوع طويلٍ من الشك فى فيروس كورونا من هنا وفيروسات مصاحبة له من هناك.... مر الأسبوع طويلاً، واستطاعت هى وعائلتها الصغيرة أن تصل لطور النقاهة بسلام.
ذهبت لزيارتها هذا الصباح، وخطر لبالى فجأة أن أسأل:
هو أحمد شرب الشوربة؟
أجابتني:
أحمد شرب الشوربة.
هى انتظرت ردة فعلى الطفولية المعتادة، وحين ظللت هادئة فى مقعدى على شرفتها الصباحية، انتبهت متسائلة:
أنتى سمعتينى صح؟
أومأت برأسى قائلة:
ايوة، أحمد شرب الشوربة.
حيث إن وقتما كانت هى طريحة الفراش كنت انا أمر بأسبوعٍ حافلٍ بالأحداث الغريبة التى أدت إلى طريق جديد لاكتشاف ذاتي؛
كنت أعتقد أن قلبى أصبح قاسياً - أو أسود زى ما هى بتقول - من كثرة الأحداث التى مرت به، وأنه حين يمر شخص قد أذاقنى من المر ألوانه بظرف صعيب انى سأشفى غليلى و اتشفى.
كنت اتخيلنى كجيم نورمان بطل قصة ستيفن كينج القصيرة " إنهم يعودون أحياناً" حيث دفع سبابتيه ( اليمنى و اليسرى) كقربان للشيطان ليتخلص ممن قتلوا اخيه. حين استدعى الشيطان بطقوس ابليسية لكى ينهى حياتهم.
و لكن رغم هول انتقام بطل القصة، الا ان الشيطان أكد انه سيطارد البطل الذى باع روحه له قائلاً: سوف أعود.
و هنا اكتشفت:
انى لا استطيع ان اتحمل ان يقع اذى على غريب مهما كان غضبى و حجم ثورتي، فكيف بشخص قريب كان بينى و بينه عشرة يوماً ما!!! و انه مهما كان مصابى و آلمي، لا شيء.... لا شيء فعلا يستحق ان اتمنى اى مصير مخيف لأحد.
فمثلاً:
- طلاقها او انفصالها "و هى من فعلت بى ما فعلته زوجة ابى لهب" لم يزد منى شيء و لم ينقص منى شيء، بل شعرت بالأسف عليها، لعلمى بصعوبة التجربة.
- ظرفه الصعب "و هو من علمنى درس الحياة الاصعب مشكوراً" لم يولد بداخلى اى شماتة او تشفى ( كما تصور البعض)، بل انى حتى لم استطع ذلك، بل على العكس، جل ما تذكرته كانت اى ذكرى جميلة بيننا، و دعوت لله بفك كربه كل ليلة.
- مديرة سابقة كان لديها من التجلى فى خلق المشاكل و تخطيط المشاهد التمثيلية الكثير، حين علمت بمرض ابنها، دعوت له بالشفاء و ان يصبر قلبها كأم.
و قصصاً اخرى لدى و لديك عزيزى القارئ، البعض لا يستطيع ان يسامح... او يغفر... او ينسى، و هؤلاء تكون ارواحهم "كمبنى قديم يحوى شيئا كئيباً قديماً يهمس فى الغرف الخالية كوحش اسود بغيض"
و هؤلاء كان الله فى عونهم، فما يستنزفه غضبهم و رفضهم يأكل من اعمارهم لحظة بلحظة.
اما نحن يا سادة، معشر Forgive and Forget, فالحمد لله، ننام ملئ اعيننا شاكرين.... و نستيقظ حامدين.
اذن
فليشرب احمد الشوربة، فخلافى معه لا يذكر مقارنة باوجاع اخرى.... و الدرس الاعظم الذى لازلت اتعلمه كل يوم بشكل مختلف: ان مهما كان عظيم المصاب، فالدنيا ابسط مما نتخيل.
شكراً
آخر الكلام:
"لأن أندم على العفو خير من أن أندم على العقوبة."
جعفر الصادق.