أحدثت جريمة ذبح مدرس التاريخ الفرنسى وفصل رأسه عن جسده ردود فعل شديدة حيال بشاعة الجريمة ووحشيتها.. حيث عشت عشرات السنين فى فرنسا، فلدى بعض الأسئلة التى تطن فى رأسى وأتمنى أن نفكر جميعًا فى الإجابة عليها.. قيل تبريرًا للجريمة إن المدرس طلب لمن يرغب من تلاميذه المسلمين الخروج من حصته، نظرًا لأنه سيعرض صور الكاريكاتور المسيئة للرسول الكريم والتى نشرتها منذ نحو ثلاث سنوات صحيفة شارلى إبدو الساخرة، مما عرضها لهجوم سقط بعض صحفييها قتلى خلاله، وأوضح أنه يقصد من عرض الصور شرح أبعاد حرية التعبير.. وسؤالى هنا.. هل للقاتل صلاحية تنفيذ الإعدام فى من يستحقه بنظره؟ وهل يتصور عاقل أن الدين الإسلامى يمكن أن يهدده مدرس فرنسى حتى لو كان معاديا؟ وهل حسب القاتل، أنه بذبح رجل دون مسائلته وسماع دفاعه قد طبق مبادئ الإسلام؟ وهل فكر المتحمسون لقتل المدرس حجم الكراهية التى قد يحملها متعاطفون مع الضحية، أو العنصريون لما قد يتعرض له العرب والمسلمون، بعد اقتران الجانى بالدين والادعاء بأن ما ارتكبه دفاع عن الدين؟ فى سبعينات القرن الماضى لم أتعرض يوما لأى تصرف عنصرى حيال ملامحى المصرية، ولم أشهد أى حادث اضطهاد ضد أى شخص غير فرنسى إلا فى حالات شديدة الندرة، مثلما يحدث فى أى بلد فى العالم..
لكن ومنذ الثورة الإيرانية والتى أسماها اية الله الخمينى بالثورة «الإسلامية» ثم توالت التفجيرات من قبل جبهة الإنقاذ الإسلامية، بالجزائر، ورئيسها عباسى مدنى، بدأت بوادر الذعر من أية ملامح شرق أوسطية.. وقد سألنى مواطن فرنسى منذ نحو ثلاث سنوات، ووسائل الإعلام تكرر بث مشاهد أعضاء داعش وهم يذبحون الضحايا، مهللين «الله أكبر!».. سألنى الرجل: لماذا دينكم بهذه الوحشية.. سألته بدورى عن سنه فأجاب «خمسون سنة»، فقلت له: هل شاهدت مثل هذا السلوك الوحشى فى شبابك؟ أجاب بالنفى، فواصلت كلامى: أنتم فى الغرب من صنع هؤلاء.. وأجب على سؤالى: من الذى يسلح هؤلاء؟ نظر إلىَّ الرجل باندهاش ولكنه لم يحر جوابا.. وفى العام الماضى كنت فى مطار باريس ووجدت موظف الجوازات ينظر إلىَّ وإلى جواز سفرى ويضحك، فسألته عما يضحكه قال «لأنك لا تعطين سنك»، بمعنى أن هناك فرقا بين مظهرك وسنك المدون فى الجواز.. ضحكت وقلت له شكرا على الإطراء، ثم وبدعابة معتادة لدى، وجهت كفى نحو وجهه وأنا أقول ضاحكة: الله أكبر!.. فر كل من كانوا بالقرب منى ومظاهر الفزع تعلو وجوههم.. باتت عبارة الله أكبر بالنسبة لكثيرين فى الخارج، تعنى مقدمة لمذبحة بشرية!
والكارثة أن هؤلاء المشوهين للدين الإسلامى الحنيف، عمدا أو جهلا، يصفهم بعض رجال الدين الجدد بالجهاديين! مع أن «جهادهم» المزعوم يصب فى مصلحة أعداء العرب والإسلام، ومن ثم فإن جريمة المدرس الفرنسى فهى أيضا جريمة ضدنا نحن، ولنتخيل ما سوف يلاقيه الفرنسيون المسلمون من أصول عربية من نفور وربما فزع الآخرون منهم.. إن فوضى الفتاوى وفوضى «تكليف» أى كان بتطبيق الشرع، وبالطبع تتفاوت القناعات بهذا الصدد، فمن يرى أن الشرع لا يعرف غير قتل المخالف ومن يستشهد بقوله تعالى: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وجادلهم بالتى هى أحسن، ولكم دينكم ولى دين..
وبهذه المبادئ الخالدة انتشر الإسلام من مكة المكرمة إلى ربوع العالم بأسره.. فهل يخطط الأعداء لتشويه الإسلام بمثل جريمة مدرس التاريخ الفرنسى وقبلها بالطبع جرائم داعش والنصرة وغيرها، بدعوى الغيرة على الدين؟ إن الغيرة على الإسلام تتجسد فى الالتزام بمبادئه وتعاليمه حتى نكون نموذجا يحتذى وليس نموذجا منفرا.