مازال يوم الجمعة، يمثل العطلة الرسمية فى مصر، للعاملين فى القطاعين العام والخاص، بل والمهن الحرة أيضا، ارتباطا بتاريخ طويل يحمل قدسية خاصة لهذا اليوم، حتى من قبل الإسلام، حيث كان العرب يطلقون عليه "يوم العَرُوبَة"، وقد كانوا يجتمعون فيه لإلقاء الشعر والخطابة، بما يؤكد أن هذا اليوم يحمل خصوصية كبيرة لدى العرب بشكل عام، إلا أن اللافت فى هذا اليوم أن المرافق الحيوية الهامة، التى من المفترض أن تعمل على مدار الساعة تتوقف بصورة شبه كاملة، ودعونا نتحدث عن النموذج الأكثر خطورة " المستشفيات".
حاول أن تنزل إلى الشارع يوم الجمعة وتتوجه إلى أى مستشفى في مصر، عامة كانت أو خاصة، أو عيادة طبيب، أو حتى مستوصف خيرى، فلن تجد أطباء ولا تمريض، وخدمة الكشف والعيادات الخارجية متوقفة تماما، ولن تجد سوى الطوارئ، التى لن تتحمل مسئولية الكشف عليك أو تخفيف الألم عنك، بل ستخبرك أنها تتعامل فقط مع الحالات الطارئة والحوادث!!
مفهوم الطوارئ مشوش وغير واضح لدى أغلب المستشفيات فى مصر، فما زال البعض يتصور أن الطوارئ تعنى دخول المستشفى بعربة إسعاف والدم يسيل من كل مكان، والمريض فى حالة إغماء وفاقد للوعى، مع العلم أن هناك حالات حرجة قد تكون أكثر شدة وخطورة ولا ينتبه إليها أحد، فلو دخلت المستشفى بطفل يعانى من التهاب الحلق واللوزتين وحرارته تقترب من 40 درجة فهذه حالة طارئة وتحتاج إلى تدخل وعلاج عاجل، قبل دخول الطفل في مرحلة التشنجات الحرارية والتأثير على المخ وكل المؤشرات الحيوية، فلا يمكن ألا يعتبر الطبيب هذه الحالة عادية وترفضها المستشفى بدعوى عدم وجود عيادات خارجية يوم "الجمعة".
لا يمكن أن تكون العيادات الخارجية مغلقة يوم الجمعة فى بلد تعداد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة، منهم نسبة تعانى من الأمراض السارية غير المعدية، مثل الضغط والسكر والسمنة، فلو أن نسبة 1% من هذه الحصيلة تعانى أعراضا لأى أمراض انتهازية يوميا فهناك مليون مريض يوميا على أقل تقدير، فماذا يفعل هؤلاء والعيادات الخارجية بالمستشفيات تغلق أبوابها؟!
يجب أن يكون لوزارة الصحة ولنقابة الأطباء دور واضح في قضية غياب الأطباء يوم الجمعة عن المستشفيات، بأن تكون إجازة الأطباء غير مرتبطة بهذا اليوم، ويختار كل طبيب اليوم المناسب له فى الأسبوع عدا الجمعة، فهذه الخدمة الإنسانية الطارئة لا يمكن أن تخضع لفكرة "الويك اند" أو الإجازة، والحل من خلال المناوبات والشيفتات المنتظمة، بدلا من المأساة التى قد يتعرض لها أى مواطن حال شعوره بأعراض متوسطة أو حادة يوم الجمعة.