بمجرد أن تسمع صوتها تشعر بالراحة والطمأنينة تنجذب إلى أسلوبها الهادئ وروحها الطيبة، تشعر أنها أم حنون تملك صوت الحكمة فتلجأ إليها لتستشيرها وتسألها وأنت واثق أنك ستجد لديها حلاً لمشاكلك يريح قلبك.
هكذا استطاعت الداعية الدكتورة عبلة الكحلاوى أن تدخل قلوب الملايين فى مصر والعالم العربى والإسلامى وأن تقدم نموذجاً للداعية التى تجمع بين التفقه فى الدين والقدرة على أن تكون محل ثقة وحب واحترام الجميع فى وقت يكثر فيه الجدل والاختلاف والضجيج، وتكثر فيه الانتقادات الموجهة لعدد من علماء الدين بعد وقوعهم فى شباك الفتاوى المثيرة أو الغريبة لتى تضعهم فى مرمى الانتقادات وتثير حالة من الجدل.
على مدار عمرها لم تنساق الدكتورة عبلة الكحلاوى ولم تقع فى مثل هذه الدوائر التى وقع فيها غيرها من علماء الدين، لم تطلق فتوى غريبة أو مثيرة للجدل ، حرصت دائماً على أن تتحدث دائماً فيما ينفع الناس ويجمعهم ولا يفرقهم.
لا تجد فى كل البرامج التى تظهر فيها الدكتورة عبلة الكحلاوى أو تقدمها ما يثير الخلاف أو يسئ إلى أحد ولا تنزلق أبداً إلى مستنقعات الجدال الفارغ التى يغرق فيها غيرهما، لكنها دائماً تقدس الإنسانية وتهتم بما ينفع الإنسان، تستمع بانتباه لأى سؤال أو شكوى وترد بحرص وحكمة بإجابات وفتاوى وكلمات تحمل روح الدين وسماحة الإسلام وحنان الأم وحكمة الفقه لذلك دخلت القلوب وحازت ثقة الملايين.
الدكتورة عبلة الكحلاوى شخصية فريدة لم تكتف بالدعوة إلى سبيل الله ونشر سماحة الدين بالقول والفتوى فقط لكنها تمثل وتقدم دائماً نموذجاً للعمل الصالح، واختارت أصعب سبله.
رأيتها فى جمعية الباقيات الصالحات وهى تتابع بنفسها بحرص وحنان مرضى الزهايمر من كبار السن الذين تخلى عنهم أبنائهم و أقرب أقاربهم فى أصعب وأضعف لحظاتهم، تدخل ومعها بعض الهدايا والحلوى، لهؤلاء الذين فقدوا كل ما يملكون، الصحة والمال وحنان الأهل، ورغم أنهم فقدوا حتى الذاكرة، فإنهم يعرفون هذا الوجه الذى تحنو صاحبته عليهم، وتحاول تعويضهم شيئًا مما فقدوه، فيجتمعون حولها كأطفال تتجاوز أعمارهم السبعين، يحتضنونها ويتحدثون معها، ويحصلون منها على جرعات حنان ضنّ عليهم بها أقرب الأقربين.
تعمل الدكتور عبلة الكحلاوى الكثير والكثير من أعمال الخير ومساعد المحتاجين ، وتخوض أصعب مجالات العمل الخيرى التى يخشاها غيرها وتنفق معظم ما تجمعه من أموال دون أن تتحدث أو تعلن، اختارت أصعب المجالات وهو مساعدة المسنين من مرضى الزهايمر الذين تخلى عنهم أقرب الناس، فأنشئت دار" أبى" للرجال، ودار "أمى" للسيدات، وكلاهما تحوى بشرا فى أضعف حالاتهم، مسنين عجزة لا يستطيع أى منهم أن يقوم بأبسط الأشياء، عجزوا عن الحركة والكلام ويحتاجون لرعاية خاصة وصبر شديد، ولم تتخل عنهم حتى فى أصعب أوقات الوباء وزيادة مشقة رعايتهم والحفاظ على صحتهم فى الوقت الذى تنصل منهم أبنائهم ورفضوا استلامهم أو حتى دفن من رحل منهم.
أقامت عبلة الكحلاوى أيضاً داراً لرعاية الأطفال مرضى السرطان وأسرهم وخاصة المغتربين الفقراء الذين يأتون لتلقى العلاج فى القاهرة، وتشارك فى تجهيز مئات اليتيمات، ويصل خيرها إلى المناطق الفقيرة والنائية فى القرى والصعيد، سواء مواد غذائية أو وصلات المياه.
هكذا تقضى الداعية الإسلامية الدكتورة عبلة الكحلاوى، أوقاتها فيما ينفع الناس سواء بالدعوى إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة أو فى مساعدة المحتاجين، فى أصعب لحظات الضعف والعجز الإنسانى، ووسط كل هذه الضغوط تحتفظ بابتسامتها وسكينتها الدائمة، وتتذكر ما مرّ بها من تجارب ورسائل ربانية، حين شاهدت والدها الشيخ محمد الكحلاوى الذى كان مطربًا وممثلًا، وفقد صوته فجأة، وبعد فترة من المحنة رأى رؤية سمع فيها هاتفًا يناديه: «سيعود صوتك، فلا تغنِّ إلا للرسول»، واستيقظ الأب ليجد صوته قد عاد، ويعيش ما تبقى من حياته مداحًا للرسول، ورافضًا أن يغنى لغيره، حتى أنه رفض الغناء أمام الرئيس عبدالناصر رغم حبه له، ووفاءً بعهده مع الله، فعرف أبنائه السبعة ومنهم الدكتورة عبلة الكحلاوى أهمية الوفاء بالعهد مع الله ومعيته.
اعتادت عبلة الكحلاوى منذ صباها على العمل الاجتماعى والتنموى، وعلى حمل هموم الوطن، لا يحزنها شىء إلا حين تراه مهددًا بالفتنة والإرهاب.
تحتفظ ابنة مداح الرسول فى دولابها ببدلة عسكرية تفتح عينيها يوميًا عليها، لتعطرها وتنظر إليها، وكأنها ترى وجه زوجها الشهيد اللواء المهندس محمد ياسين بسيونى، أحد أبطال أكتوبر، الذى كان ضمن خمسة مهندسين سافروا إلى ألمانيا لإحضار المواسير اللازمة لتفجير خط بارليف بشكل سرى، وأسهم فى تدميره وتحقيق النصر العظيم.
تقول عنه إنه كان هدية الله إليها، وكان عصاميًا خلوقًا حنونًا، عاشت معه أسعد أيام حياتها، وأنجبت منه بناتها الثلاث «مروة» و«رودينا» و«هايدى»، وأنه ساعدها على استكمال دراستها والحصول على الماجستير والدكتوراة، وتذكر أنه عندما توفى قال لها وزير الدفاع وهو يعزيها: «مات أكثر الضباط أخلاقًا وأدبًا».
وقالت عنه: «أشعر أن زوجى لم يفارقنى، وأراه معى دائمًا وأنا أباشر العمل فى الجمعية التى أصبحت كأنها أحد أبنائى، فهى حلمى، وزادى للآخرة، وعملى الذى لن ينقطع فى الدنيا».
مؤخراً انتشرت بعض الأخبار عن الحالة الصحية للدكتورة عبلة الكحلاوى ، فشعر الملايين بالقلق على الداعية الأم الفقيهة الصالحة حتى أكد مقربون منها استقرار حالتها ، ونضم أصواتنا لأصوات الملايين فى كل أنحاء العالم بالدعاء لماما عبلة من قلوب رأت فيها نعم الأم والداعية والفقيهة.