إلى أمى وأبى وأختى وأخى.. إلى ابنى وابنتى وزوجتى.. إلى كل أصدقائى وأقاربى.. إلى كل من أعرفهم ومن لا أعرفهم ممن أحزنهم وأفزعهم حادث الطائرة المصرية.
إلى كل من حيرهم لغز ما حدث لى، وتساءلوا كيف صعدت روحى، وهل مت غرقا أو رعبا أم احترقت أم أكلنى السمك، وكيف كانت لحظاتى أو ساعاتى الأخيرة، وهل فارقتنى الروح بسرعة أم تعذبت وتألمت لساعات.
إلى أحبائى الذين ينتظرون جزءا من جسدى أو ملابسى ليبوح لهم بجزء من السر، إلى من تألموا وكانوا يتمنون أن يعثروا على جثتى ويحملون جثمانى و يوارونه الثرى، ليجدوا قبرا على الأرض يزورونه كلما اشتد بهم الشوق والحنين.
إلى كل هؤلاء أكتب لكم رسالتى من العالم الآخر.. عالم السعادة والراحة الأبدية الذى لا يؤلمنى فيه شىء سوى ألمكم وأتمنى أن تخفف رسالتى عنكم..
إلى من تجرعوا الألم والحزن مراحل كل منها أكثر قسوة من الأخرى.. أكتب رسالتى إلى من ظل متمسكا بأمل ضعيف فى ألا يجد اسمى بين ركاب الطائرة، ولكن سرعان ما انهار أمله بعد أن قرأ اسمى فى القائمة، لينتقل إلى مرحلة تالية تشبث فيها بعبارة " الطائرة المفقودة " حتى لا يفقد آخر أمل فى بقائى حيا، وتعشم فى العثور على المفقود وعودة الغائب ولكن تلاشى أمله مع كل دقيقة مرت عليه كدهر طويل، فانتقل إلى عذاب أكثر قسوة منتظرا ومتلهفا العثور على جثتى وأشلائى، وتمنى أن يلقى على نظرة أخيرة أيقن مع الوقت أنه لن ينالها.
إلى أمى الحبيبة التى تمنت أن تلمسنى أو جزءا منى ولو ميتا، وأن تجد بين الحطام جزءا من ملابسى أو قطعة من حذائى، أشفق عليك يا حبيبتى ..أكتب رسالتى حتى تهدأى، فلا يؤلمنى سوى دموعك وحسرتك.
لا تقلقى يا أمى ولا تستسلمى لهاجس عذابى وأنا أموت، فقد كان الموت سهلا، أسهل من حياتكم التى ترون فيها ألوانا من العذاب، كان حنونا ولم يكن غادرا قاسيا كهؤلاء الذين تسببوا فى عذابك وعذاب ملايين البشر فى عالمكم, استقبلته مبتسما ، ومعى رفاقى، الذين يشبهون الملائكة فلم تعد الحياة على الأرض حيث الحقد والكره والعنف تليق بهم.
كان إلى جوارى زوجان ضحى كل منهما من أجل الآخر، عاشا وماتا بالحب، زوج باع كل ما يملك لعلاج زوجته الحبيبة والتخفيف عنها، فجمعتهما الجنة حيث لا عذاب ولا ألم، أمسك كل منهما بيد الآخر وعانقه لحظة الموت فعانقهما الموت بقدر الحب والعطاء.
رأيت أسرة جزائرية وأطفال حلموا بقضاء إجازة بعد عناء العمل فى الغربة لمدة 3 سنوات، فكانت الإجازة أجمل مما حلموا، صعدت أرواحهم متعانقة إلى الجنة.
كان بيننا عالم سودانى قضى أغلب عمره يجمع مجلدات عن تاريخ أفريقيا ويترجمها للعالم، لم تفارقه الابتسامة طوال الرحلة وكأنه يعرف أنه حان وقت الحصول على جزاء عمله وتعبه وعلمه، إلى جواره جلس مبتسما متواضعا مدير إحدى أكبر شركات العالم.. مصرى أثبت نجاحه فى العالم وشهد عماله وموظفوه بخصاله وأخلاقه التى جعلته أبا وأخا للجميع فحزنوا على فراقه حزنا شديدا.. من بين رفاقى أفراد طاقم كان كل منهم على استعداد أن يضحى بحياته ليفتدى ركاب الطائرة.
أمى العزيزة هؤلاء كانوا رفاقى فى رحلة الموت، أناس يستحقون حياة غير حياة الأرض ورفاقا من الملائكة، نظر كل منا إلى الآخر فى لحظة النهاية، فلم نشعر بألم أو عذاب لأننا كنا نشم ريح الجنة ونراها قريبة.
رفاقى يا أمى مسلمون ومسيحيون يعرفون الرحمة ولا يوزعونها بحسب الدين أو العرق والجنس، صعدت أرواحنا معا ونحن نتلو القرآن ونردد الشهادة ونرتل الترانيم..
إن كان يؤرقك يا أمى أنك لن تجدى لى قبرا على الأرض، فقبرى أكثر اتساعا وبراحا من بضعة أمتار من تراب وحجارة على الأرض، انظرى إلى السماء والبحر حيث صعدت روحى بينهما، ستريننى بين طيور السماء التى رافقت روحى وهى تصعد إلى رب العرش العظيم.
لا تحزنى يا أمى فلو خيرونى أن أعود إلى عالمكم لن أعود.
اصبرى يا أمى وقرى عينا وثقى بأن يد الله كانت أكثر حنانا ورفقا من يديك.