لقد حرقت الجماعة الإرهابية كل المراكب وسارت فى طريق بلا عودة
امتنعت منذ فترة عن قراءة مقالات كتاب الإخوان المسلمين، ففيها شطط يكاد أن ينتحر على شفا الجنون، وأوهام تصنع من الدخان المبعثر فى الهواء ثورة وهمية، وتتراءى أمامهم خيالات شاردة فى عالم افتراضى ليس له وجود، ومن هذا النوع مقال قرأته بالصدفة لعبدالرحمن ابن يوسف القرضاوى، يجسد حالة الانفصام والاستغراق فى الأوهام.. يقول فى بدايته: «نحن فى نهاية شوط من أشواط المباراة، وما زالت أمامنا أشواط أخرى، الهزيمة لا يمكن تأكيدها إلا مع صافرة الحكم فى نهاية المباراة، وهذا أمر ما زال بيننا وبينه وقت طويل، لو هزمنا فى يوم ما سأقول: هُزمنا لا لأننا نستحق الهزيمة، بل لأننا لا نستحق النصر! وفى آخر المقال يقول: «رسالتى إلى كل المحبطين، نحن لم نهزم، ولكننا نتفنن فى تأخير النصر، نحن لا نستحق الهزيمة، ولكننا- إذا استمرت فرقتنا- لا نستحق النصر! إما أن نتحد، وإما سيتأخر النصر، حتى يأتى من يستحقه».
هذا نموذج شارد لأفكار جماعة لا تريد الإفاقة من غيبوبات الشرعية، والتظاهرات الليلية وأوهام عودة المعزول، وخداع سلميتهم المسلحة المدججة بالرصاص والمتفجرات، والاغتيالات وإراقة الدماء.
أولا: مصر ليست فى نهاية شوط من أشواط المباراة، بل فى بداية ماراثون نهضة شاملة، وبناء دولة أساسها الحكم بالدستور وسيادة القانون، بعد مرحلة الفوضى الشاملة، التى تُوجت بتولى حكمها جماعة إرهابية، أرادت أن تمحو هويتها، فجرفها تيار الرفض الشعبى، الذى استرد الوطن من براثن الضياع، واختار الشعب من يحكمه لا من يحاكمه، فهى ليست مباراة كما يقول ابن القرضاوى، يجلس فيها الجمهور فى مقاعد المتفرجين، وإنما معركة مصير ووجود وتاريخ وحضارة وثقافة وهوية، خاضها الشعب ويستحيل أن يكون النصر فى غير صالح الشعب.
ثانيا: انكشف الغطاء عن زيف التيارات التى تختبئ وراء الدين، لتحقيق أطماع سياسية فى الحكم والسلطة والسلطان والخلافة، وليس لها أدنى علاقة بالدين، وأثبتت التجربة المريرة التى عاشها الشعب بنفسه، استحالة استمرار مسلسل التضليل بالأديان، واستدعاء نماذج كاذبة ليس لها وجود على أرض الواقع، ووعود بأنهار العسل والمن والسلوى، لم تسفر إلا عن روافد من ماء النار، وغربان وبوم يبحث عن خرابات يعشش فيها.
ثالثا: المباراة انتهت بالفعل، ولكن بهزيمة العصابات الإجرامية، التى روعت البلاد ونشرت الدمار والدماء، ومن الجنون أن نسأل الناس: هل تريدون عودة الأيام السوداء، والذكريات الأليمة الحزينة، حين كان الوطن ينام فى أحضان الخوف، ويستيقظ على الحرائق وأصوات الرصاص؟ هل تفضلون عودة القتلة الذين يحملون أسلحتهم جهارا نهارا فى الشوارع والميادين؟ هل نسيتم الاتحادية وحرق المجمع العلمى ودولة المقطم والمرشد وأبواسماعيل؟ ألم تغلى الدماء فى عروقكم حين تطاول على وطنكم العظيم السفلة والصغار؟
رابعا: لقد حرقت الجماعة الإرهابية كل المراكب، وسارت فى طريق بلا عودة، ودفنت أطماعها فى مقبرة حفرتها بأيديها، وإذا كان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فقد لدغوا من نفس الحرج عشرات المرات، ولم تعد معركتهم كما يتخيلون مع الرئيس أو الجيش والشرطة، بل مع الشعب المصرى كله، ومن اختار منهم العنف والتحريض، حكم على نفسه بالسجن والمحاكمة العادلة، التى لم يوفروها لغيرهم أثناء توليهم الحكم، أما من اختار أن يعيش مثل غيره من المصريين، فوطنه يحتويه ولم ينله أذى أو سوء.
خامسا: يقول ابن القرضاوى إن جماعته تتفنن فى تأخير النصر، وأقول له إنه نصر لن يأتى، وانتظاره سوف يطول إلى يوم القيامة، لأن لمصر شعبا لن يفرط فيها، وجيشا يدافع عنها ويحميها، وفوق كل ذلك إرادة المولى عز وجل، الذى استجاب لدعاء شعب يحب الحياة.