لن يعود «حسن» حتى يعود العرب إلى رشدهم وعقلهم ودينهم ورسالة أنبيائهم
فى مثل هذه الأيام منذ 68 عامًا أعلن بن جوريون قيام دولة إسرائيل، وفى مثل هذه الأيام هدمت بيوت الفلسطينيين وهجروا من بلادهم ودمرت قراهم.فى مثل هذه الأيام طرد ما يقارب من ثلاثة أرباع مليون فلسطينى من بلادهم، ودمر الصهاينة 500 قرية فلسطينية حتى لا يعود إليها سكانها. فى مثل هذا اليوم كان كل أب فلسطينى مهجر من قريته كرهًا يقول لزوجته مثلما قال أبوأحمد لزوجته: «لا تأخذى كل الأغراض يا أم أحمد»، خذى الشغلات المهمة فقط، ويقول لأولاده: «يلا يا حبيبى، كلها يومين ونرجع يا أم أحمد».. كان ذلك الحديث يوم 15/5/1948 ومرت سنوات طوال حتى وصلت إلى 68 عامًا دون أن يرجع أبوأحمد أو زوجته أو أولاده أو أحفاده، لم يرجع أحد إلى فلسطين.
مضت سنوات طويلة وماتت أجيال وولدت أجيال، ولم تعد فلسطين، كانت إسرائيل دومًا تراهن على ذلك، كانوا يقولون للفلسطينيين: سيموت الكبار وينسى الصغار، ولكن مات الكبار وولد الصغار والأحفاد وأحفاد الأحفاد ولكن لا أحد ينسى فلسطين أو يستطيع نسيان القدس، وكل فلسطينى حر يردد قلبه قبل لسانه:
ولى وطن آليت ألا أبيعه / وألا أرى غيرى له الدهر مالكًا.
لقد عاش جيلنا معظم شبابه من أجل هذه القضية وحلم دومًا بتحرير القدس وعاش وهو يسمع من الإذاعة المصرية أغنية محمد عبدالوهاب الشهيرة: وقبل شهيدًا على أرضها / دعا باسمها الله واستشهدا / فلسطين يحمى حماك الشباب / وجل الفـدائى والمفتــدى / فلسطـين تحمـيك منا الصدور / فإما الحـياة وإما الـردى
تمر هذه الأيام الذكرى الـ68 لنكبة فلسطين فى حالة غير مسبوقة من العنجهية والغرور الإسرائيلى، مع حالة انكسار وتمزق عربى غير مسبوقة، وحالة تردى خطيرة لفلسطين، وانقسام لشعبها بين الضفة وغزة، وبين حماس ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. مرت ذكرى النكبة وفلسطين وأهلها لا بواكى لها. مرت ذكرى النكبة دون أن ينتبه لها أحد أو يكتب عنها أحد. مرت ذكرى النكبة ونحن جميعًا نعيش أكبر النكبات فى تاريخ أمتنا.
حينما حدثت نكبة فلسطين، ورغم الهزيمة كانت معظم بلاد العرب محتلة ولكنها كانت موحدة، ففى عام سنة 1948 كانت مملكة مصر والسودان، والآن مصر وحدها والسودان قسمت إلى قسمين، ويراد لها أن تنقسم إلى أربعة، وكانت العراق موحدة واليوم قسمت عمليًا إلى ثلاث دول.
لا أحد يذكر النكبة اليوم لأن الجميع يعيش فى نكبة وكدر وعنت، ومعظم العرب يعيشون فى الخيام. فماذا سيقول العربى والمسلم لنفسه، هل يقول: هجر الصهاينة إخواننا الفلسطينيين من ديارهم، وماذا عن «داعش»، والحشد الشعبى، والتنظيمات المتطرفة التى هجرت الآلاف من ديارهم، وماذا عن بشار الأسد الذى قتل الآلاف من شعبه؟ ماذا سيقولون؟ هل سيقولون حوّل الصهاينة شعب فلسطين الكريم إلى سكان مخيمات.فماذا عن المالكى، وعلى صالح، وزعماء الحوثى واليمن الذين حولوا الملايين إلى سكان للمخيمات. هل نلوم على الصهاينة ما فعلوا بالفلسطينيين وبعضنا يقتل بعضًا، ويشتمه ويسبه ويطارده ويسجنه ويعذبه. اللاجئون السوريون عددهم الآن أكبر من اللاجئين الفلسطينيين، يا للعار، أوجاعنا الآن تجاوزت أوجاع فلسطين، أوجاعنا فى كل بقعة من بقاع العروبة، فى كل بيت من بيوتها، وكل شارع من شوارعها.
لقد كتب المدرس على السبورة فى مخيم البقعة عام 1970 أى قبل 46 عامًا: «حسن يعود إلى فلسطين»، وكتب الطلاب وراءه هذه الكلمة تفاؤلًا بالعودة إلى فلسطين. مرت سنوات طوال على هذه الصورة، وتحولت السبورة واللوح إلى آى باد، وحسن لسه ما عاد، حسن لسه ما عاد. فهل يا ترى يعود؟ لن يعود حسن حتى يعود العرب إلى رشدهم وعقلهم ودينهم ورسالة أنبيائهم. لن يعود حسن حتى تعود سوريا والعراق وليبيا واليمن وإيران والخليج إلى رشدها، لن يعود حسن حتى نعود جميعًا إلى ربنا.