هذا المشروع يتعلق بتطوير حياة نصف المصريين، سكان الريف المنسيين على مدى عقود، وهم من ينتج أغلب الخضار والفاكهة، والقطن والكتان والتيل، أى الغذاء والكساء. ومع هذا فإن الفلاح يعيش محرومًا من أغلب الخدمات التى تتاح للمدن، وبالتالى فإن إعلان مشروع تطوير وتحديث 4500 قرية بتوابعها، فى حال تنفيذه، كما ينبغى وبناء على تخطيط، يمثل نقلة نوعية سوف تنعكس على كل مناحى الحياة فى مصر.
لقد كان التفاعل مع إعلان الرئيس السيسى، لمشروع تطوير القرى وتوابعها، يحمل الكثير من الأمل، لكونه يحقق مطالب متراكمة على مدى عقود من دون أن ينعكس على تنفيذ أو خطوة نحو التطوير، باستثناء وعود اعتاد المرشحون طرحها أثناء حملاتهم الانتخابية، سرعان ما تتبخر وتبقى الأحوال على ما هى عليه.
الرئيس تحدث مؤخرًا عن المشروع، وأكد أن المبالغ المطلوبة 500 مليار جنيه، متوفرة، لكنه أشار إلى أن المشكلة ليست فى توفير المبلغ، ولكن فى الرسوم الهندسية، خاصة أن كل قرية لها مطالب وتفاصيل تختلف عن غيرها، فقد تحتاج قرية إلى طرق ومدارس، وأخرى إلى وحدات صحية وخدمات حقيقية فى النقل أو الصرف، ولا ننسى أنظمة الرى والصرف التى تحتاج إلى الكثير، لتصبح مناسبة للعصر، وقادرة على التفاعل مع تقنيات العصر ومفرداته.
وهناك تساؤلات مهمة فيما يتعلق بالجهات التى تقوم بتخطيط القرى قبل التطوير، مع مراعاة الخصوصية لكل قرية، وحاجاتها التى تختلف عن غيرها، وهذا التخطيط يستلزم رفع المساحات والاحتياجات، وتفهم مطالب المواطنين فى كل قرية، بشكل يلبى احتياجات مواطنيها، وهو ما أشار إليه الرئيس، فى تصريحاته لعمرو أديب، حيث أكد أن المشكلة ليست فى توفير التمويل، لكن فى كيفية توظيف هذا التمويل فى تسهيل ورفع جودة الحياة لما يقرب من 590 مليون مواطن.
ونكرر أن مشروع تطوير القرى يعيد للريف الكثير من حقوقه التى حرم منها على مدى عقود، عانى فيها من الإهمال والتجاهل، رغم أنه سلة الغذاء الرئيسية، ثم أن التطوير يساهم بشكل غير مباشر فى مضاعفة الإنتاج، وربط القرية بالمشروعات الكبرى، بل إنه يفتح الباب لأن تتوجه الاستثمارات إلى القرية لتقوم مشروعات صناعية مرتبطة بالبيئة وغير ملوثة، ومنها الاستثمار فى الطاقة الشمسية والتصنيع الأخضر.
لقد بدأ بالفعل المخطط التنفيذى للمرحلة الأولى، وتشمل 1500 قرية وتوابعها، وتشمل النهوض بمكونات البنية التحتية من مياه وكهرباء وغاز وصرف صحى وتبطين الترع ورصف الطرق وخدمات الصحة والتعليم، وهذه المخططات يفترض أنها تراعى مطالب واحتياجات القرى، وتتم بناء على قراءة ومعرفة بهذه المناطق، وتتم بناء على تصورات لجهات عديدة تساهم فيها الزراعة والتخطيط والإسكان والكهرباء والمحليات بالطبع، وهنا يحتاج الأمر إلى التعامل بنفس روح المشروعات الكبرى من حيث التخطيط والالتزام، وهناك دور للمحافظين ورؤساء المدن والقرى مع النواب لتقديم تصورات تسهل التخطيط.
نحن أمام مشروع يتم تطبيقه لأول مرة، ويعنى تحسين حياة نصف السكان بعد عقود من الإهمال والتجاهل.